نستنتج من ذلك أنّه لو لم تكن هناك توبة وإنابة من العبد ، ولا اتباع لأوامر الله ، ولا جهاد في سبيله ولا بذل الجهد وقطع مقدار من طريق الحق ، فإنّ اللطف الإلهي لا يشمل ذلك العبد ، وسوف لا يمسك الباريء بيده لإيصاله إلى الغرض المطلوب.
فهل أنّ شمول هؤلاء الذين يتحلّون بهذه الصفات بالهداية هو أمر عبث ، أو أنّه دليل على هدايتهم بالإجبار؟
من الملاحظ أنّ آيات القرآن الكريم في هذا المجال واضحة جدّاً ومعناها ظاهر ، ولكن الذين عجزوا عن الخروج بنتيجة صحيحة من آيات الهداية والضلال ابتلوا بمثل هذا الإبتلاء (لأنّهم لم يشاهدوا الحقيقة فقد ساروا في طريق الخيال).
إذن يجب القول بأنّهم هم الذين إختاروا لأنفسهم سبيل (الضلال).
على أيّة حال ، فإنّ المشيئة الإلهية في آيات الهداية والضلال لم تأت عبثاً ومن دون أيّ حكمة ، وإنّما تتمّ بشرائط خاصة ، بحيث تبيّن تطابق حكمة الباريء عزوجل مع ذلك الأمر.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (٤٠)
هل إنّ آلهتكم قادرة على حلّ مشاكلكم : الآيات السابقة تحدثت عن العقائد المنحرفة للمشركين والعواقب الوخيمة التي حلّت بهم ، أمّا آيات بحثنا هذا فإنّها تستعرض دلائل التوحيد كي تكمل البحث السابق بالأدلة ، كما تحدّثت الآيات السابقة عن دعم الباريء عزوجل لعباده وكفاية هذا الدعم ، والآيات أعلاه تتابع هذه المسألة مع ذكر الدليل.
في البداية تقول الآية : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ).
العقل والوجدان لا يقبلان أن يكون هذا العالم الكبير الواسع بكل هذه العظمة مخلوق من قبل بعض الكائنات الأرضية ، فكيف يمكن للعقل أن يقبل أنّ الأصنام التي لا روح فيها ولا