الأرضية يعادل في سهولته إيجاد حشرة صغيرة ، فكلاهما بالنسبة له تعالى أمر هيّن بسيط. يقول تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ).
فإنّ الله سبحانه وتعالى ما إن يرد شيئاً إلّاتحقق فوراً ، وليس بين إرادته ووجود ذلك الشيء أيّة فاصلة ، وعليه فإنّ «أمره» و «قوله»وجملة «كن» كلّها توضيح لمسألة الخلق والإيجاد. وتوضيح للتحقّق السريع بوجود كل ما أراده سبحانه وتعالى.
الآية الأخيرة من هذه الآيات وهي في ذات الوقت آخر آية من سورة «يس» تنهي البحث في مسألة المبدأ والمعاد بشكل جميل وبطريقة الإستنتاج الكلي فتقول : (فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
«ملكوت» : من أصل «ملك» بمعنى الحكومة والمالكية. ومعنى الآية كما يلي : إنّ الحاكمية والمالكية المطلقة بدون أدنى قيد أو شرط بيد قدرته المطلقة ، وكذلك فإنّ الله سبحانه منزه ومبرّأ عن أي عجز أو نقص في القدرة ، وبهذا الشكل فإنّ إحياء الموتى وإلباس العظام المتفسّخة لباس الحياة من جديد ، كل ذلك لن يشكّل لديه أية مشكلة ، ولذلك فاعلموا يقيناً أنّكم إليه ترجعون وأنّ المعاد حق.
بحوث
١ ـ الإعتقاد بالمعاد أمر فطري : إذا كان الإنسان قد خلق للفناء فيجب أن يكون عاشقاً للفناء ، وأن يلتذّ بنهاية عمره وبموته في حين أنّنا نرى أنّ الموت بمعنى الفناء لم يكن سارّاً للإنسان في أي وقت ، وهو يفرّ منه بكل وجوده.
إنّ السعي لإبقاء أجسام الموتى عن طريق التحنيط ، وبناء المقابر الخالدة كأهرام مصر ، والجري وراء ما يسمّى بماء الحياة ودواء الشباب وما يطيل العمر ، كل ذلك دليل على عشق الإنسان لمفهوم البقاء.
فإذا كنّا قد خلقنا للفناء فما معنى حبّ البقاء سوى أنّها علاقة شاغلة بلا جدوى ولا فائدة.
لا تنسوا أنّنا نتابع البحث في مسألة المعاد بعد الإتفاق على الإعتقاد بوجود الله الحكيم العالم ، ونحن نعتقد بأنّ كل ما خلقه الله سبحانه وتعالى في وجودنا إنّما هو وفقاً لحساب وغرض ، وبناءاً عليه فإنّ عشق البقاء لابد أن يكون له حساب خاص ، منسجم مع الخلق والعالم بعد الدنيا.