نفس أعضاء الإنسان. تلك الأعضاء التي كانت الوسائل لإرتكاب المعاصي والذنوب.
في الكافي عن الإمام الباقر عليهالسلام قال : «وليست تشهد الجوارح على مؤمن ، إنّما تشهد على من حقّت عليه كلمة العذاب ، فأمّا المؤمن فيعطى كتابه بيمينه ، قال الله عزوجل : (فَمَن أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)».
الآية التالية تشير إلى أحد ألوان العذاب التي يمكن أن يبتلي الله تعالى بها المجرمين في هذه الدنيا ، تقول الآية الكريمة : (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ) (١).
وفي تلك الحالة التي يبلغ فيها الرعب الذروة عندهم : (فَاسْتَبَقُوا الصّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ). فهم عاجزون حتى عن العثور على الطريق إلى بيوتهم ، ناهيك عن العثور على طريق الحق وسلوك الصراط المستقيم.
وعقوبة مؤلمة اخرى لهم : إنّنا لو أردنا لمسخناهم في مكانهم على شكل تماثيل حجرية فاقدة للروح والحركة ، أو على أشكال الحيوانات بحيث لا يستطيعون التقدّم إلى الأمام ، ولا الرجوع إلى الخلف : (لَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ) (٢).
إنّ الآيتين أعلاه تتحدّثان عن عذاب الدنيا.
الآية الأخيرة من هذه المجموعة تشير إلى وضع الإنسان في آخر عمره من حيث الضعف والعجز العقلي والجسمي ، لتكون إنذاراً لهم وليختاروا طريق الهداية عاجلاً ، ولتكون جواباً على الذين يلقون بمسؤولية تقصيرهم على قصر أعمارهم ، وكذلك لتكون دليلاً على قدرة الله سبحانه وتعالى ، فالقادر على أن يعيد ذلك الإنسان القوي إلى ضعف وعجز الوليد الصغير ... قادر على مسألة المعاد بالضرورة ، وعلى الطمس على عيون المجرمين ومنعهم عن الحركة ، كذلك تقول الآية الكريمة : (وَمَن نُّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ).
«ننكّسه» : من مادة «تنكيس» وهو قلب الشيء على رأسه ، وهي هنا كناية عن الرجوع الكامل للإنسان إلى حالات الطفولة.
__________________
(١) «طمسنا» : من «طمس» ـ على وزن شمس ـ بمعنى إزالة الأثر بالمحو ، وهذه إشارة إلى إزالة ضوء العين أو صورتها بشكل كلّي بحيث لا يبقى منها أثر.
(٢) «مكانتهم» : بمعنى محل التوقّف ، وهي إشارة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخرجهم عن إنسانيتهم في محلّ توقّفهم ، يغيّر أشكالهم ، ويفقدهم القدرة على الحركة ، تماماً كالتمثال الخالي من الروح.