في تفسير مجمع البيان عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتى تقوم ، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم ، والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم».
«صيحة صاح : رفع الصوت ، وأصله تشقيق الصوت من قولهم انصاح الخشب أو الثوب إذا انشقّ فسمع منه صوت ، وصيح الثوب كذلك.
«يخصّمون» : من مادة «خصم» بمعنى النزاع.
والمقصود هو التخاصم على أمر الدنيا والامور المعيشية الاخرى.
فإنّ القرآن بهذا التعبير القصير والحازم إنّما أراد تنبيههم إلى أنّ القيامة ستأتي وبشكل غير متوقّع ، هذا أوّلاً. وأمّا ثانياً فإنّ قيام الساعة ليس بالموضوع المعقّد بحيث يختصمون ويتنازعون فيه ، فبمجرّد صيحة واحدة ينتهي كل شيء وتنتهي الدنيا بأسرها. لذا فهو تعالى يضيف في الآية التالية قائلاً : (فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ).
في العادة فإنّ الإنسان حينما تلم به حادثة ويحسّ بعدها بقرب أجله ، يحاول جاهداً أن يوصل نفسه إلى أهله ومنزله ويستقرّ بين عياله ، ثم يقوم بإنجاز بعض الامور المعلّقة ، ويعهد بأبنائه أو متعلّقيه إلى من يثق به عن طريق الوصية أو غير ذلك. ويوصي بإنجاز بعض الامور الاخرى.
ولكن هل تترك الصيحة السماوية فرصة لأحد؟ ولو سنحت الفرصة فرضاً فهل يبقى أحد حيّاً ليستمع الوصية.
ثم تشير الآيات إلى مرحلة اخرى ، مرحلة الحياة بعد الموت ، فتقول : (وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَإِذَا هُم مّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ).
التراب والعظام الرميم تلبس الحياة من جديد ، وتنتفض من القبر بشراً سويّاً ، ليحضر المحاكمة والحساب في تلك المحكمة العظيمة المهولة ، وكما أنّهم ماتوا جميعاً بصيحة واحدة ، فبنفخة واحدة يبعثون أحياء من جديد ، فلا هلاكهم يشكّل عقبة أمام قدرة الله سبحانه وتعالى ، ولا حياتهم كذلك.
«أجداث» : جمع «جدث» وهو القبر ، والتعبير يشير بوضوح إلى أنّ للمعاد جنبة جسمانية بالإضافة إلى الجنبة الروحية ، وأنّ الجسد يعاد بناؤه جديداً من نفس المواد السابقة.