والمراد من
القرية هنا «أنطاكية» إحدى مدن بلاد الشام ، فإنّه يظهر جيداً من آيات هذه السورة
أنّ أهل تلك المدينة كانوا يعبدون الأصنام ، وأنّ هؤلاء الرسل جاؤوا يدعونهم إلى
التوحيد ونبذ الشرك.
ثم تنتقل
الآيات إلى تفصيل الأحداث التي جرت فتقول : (إِذْ أَرْسَلْنَا
إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا
إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ).
وفي أسماء
هؤلاء الرسل قال بعض المفسرين : إنّ أسماء الإثنين «شمعون» و «يوحنا» والثالث «بولس».
الآن لننظر
ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم الضالين قبال دعوة الرسل. القرآن الكريم يقول :
إنّهم تعلّلوا بنفس الأعذار الواهية التي يتذّرع بها الكثير من الكفار دائماً في
مواجهة الأنبياء (قَالُوا مَا أَنتُمْ
إِلَّا بَشَرٌ مّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمنُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا
تَكْذِبُونَ).
فإذا كان
مقرّراً أن يأتي رسول من قبل الله سبحانه ، فيجب أن يكون ملكاً مقرّباً وليس
إنساناً مثلنا. هذه هي الذريعة التي تذرّعوا بها لتكذيب الرسل وإنكار نزول التشريعات
الإلهية.
فإنّ هؤلاء
الأنبياء لم ييأسوا جرّاء مخالفة هؤلاء القوم الضالين ولم يضعفوا ، وفي جوابهم : (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا
إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ). ومسؤوليتنا إبلاغ الرسالة الإلهية بشكل بيّن فحسب.
(وَمَا عَلَيْنَا
إِلَّا الْبَلغُ الْمُبِينُ).
ويستفاد من
تعبير «البلاغ المبين» إجمالاً أنّهم أظهروا دلائل ومعاجز تشير إلى صدق ادّعائهم ،
إذ أنّ البلاغ المبين يجب أن يكون بطريقة تجعل من الميسّر للجميع أن يدركوا مراده
، وذلك لا يمكن تحقّقه إلّامن خلال بعض الدلائل والمعجزات الواضحة.
وقد ورد في بعض
الرّوايات أيضاً أنّ هؤلاء الرسل كانت لهم القدرة على شفاء بعض المرضى المستعصي
علاجهم ـ بإذن الله ـ كما كان لعيسى عليهالسلام.
ولكن الوثنيين
لم يسلموا أمام ذلك المنطق الواضح وتلك المعجزات ، بل إنّهم زادوا من عنفهم في
المواجهة ، وإنتقلوا من مرحلة التكذيب إلى مرحلة التهديد والتعامل الشديد (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ).
ويحتمل حدوث
بعض الوقائع السلبية لهؤلاء القوم في نفس الفترة التي بعث فيها هؤلاء الأنبياء ،
وكانت إمّا نتيجة معاصي هؤلاء القوم ، أو كإنذارات إلهية لهم.
وإنّهم اعتبروا
تلك الحوادث مرتبطة ببعثة هؤلاء الرسل ، وأظهروا سوء نواياهم من