(وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ). وعليه فإنّ صحيفة الأعمال لن تغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا وتحفظها إلى يوم الحساب.
جملة «ما قدّموا» إشارة إلى الأعمال التي قاموا بها ولم يبق لها أثر ، أمّا التعبير «وآثارهم فإشارة إلى الأعمال التي تبقى بعد الإنسان وتنعكس آثارها على المحيط الخارجي ، من أمثال الصدقات الجارية (المباني والأوقاف والمراكز التي تبقى بعد الإنسان وينتفع منها الناس).
ثم تضيف الآية لزيادة التأكيد : (وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ).
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٧) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (١٩)
واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية : لمتابعة البحوث الماضية في الآيات السابقة حول القرآن ونبوّة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، والمؤمنين الصادقين ، والكفار المعاندين ، تطرح هذه الآيات نموذجاً من موقف الامم السابقة بهذا الصدد ، وتتحدث حول تأريخ عدد من الأنبياء السابقين لتكون تنبيهاً لمشركي مكة من جهة ، وتسلية للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ولفئة المؤمنين القليلة به في ذلك اليوم ، فإنّ التأكيد على إيراد هذه القصة في قلب هذه السورة التي تعتبر هي بدورها قلب القرآن الكريم ، بسبب تشابه ظروف تلك القصة مع ظروف المسلمين في ذلك اليوم.
أوّلاً تقول الآية الكريمة : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ).
«القرية» : في الأصل اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس ، وتطلق أحياناً على نفس الناس أيضاً ، لذا فمفهومها يتّسع حتى يشمل المدن والنواحي ، وأطلقت في لغة العرب وفي القرآن المجيد مراراً على المدن المهمة مثل «مصر» و «مكة» وأمثالهما.