التحقّق من وضع الجميع ، والتفريق بين الحق والباطل ومجازاة كل فريق طبق مسؤوليته ، فيقول تعالى ، قل لهم بأنّ الله سوف يجمعنا في يوم البعث ، ويحكم بيننا بالحق ، ويفصل بعضنا عن بعض ، حتى يعرف المهتدون من الضالين ، ويبلغ كل فريق بنتائج أعماله. (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقّ).
وإذا كنتم اليوم ترون أنّكم مخلوطون بعضكم البعض ، وكلّاً يدّعي بأنّه على الحق وبأنّه من أهل النجاة ، فإنّ هذا الوضع لن يدوم إلى الأبد ، ولابدّ أن يأتي يوم التفريق بين الصفوف ، فربوبية الله إقتضت فصل «الطيب» من «الخبيث» و «الخالص» من «المشوب» و «الحق» عن «الباطل» في النهاية. ويستقرّ كل منهما في مكانه اللائق.
فكّروا الآن ماذا ستعملون في ذلك اليوم ، وفي أي صفّ ستقفون ، وهل أحضرتم إجابة لمساءلة الله في ذلك اليوم؟
وفي آخر الآية يضيف ليؤكّد حتمية ذلك التفريق فيقول : (وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ).
هذان الاسمان ـ وهما من أسماء الله الحسنى ـ أحدهما يشير إلى قدرة الله تعالى على عملية فصل الصفوف ، والآخر إلى علمه اللامتناهي ، إذ إنّ عملية تفريق صفوف الحق عن الباطل لا يمكن تحقّقها بدون هاتين الصفتين.
واستخدام كلمة «الربّ» في الآية أعلاه إشارةً إلى أنّ الله هو المالك والمربّي للجميع ، وذلك ممّا يقتضي أن يكون برنامج مثل ذلك اليوم معدّاً ، وهي إشارة لطيفة إلى إحدى دلائل «المعاد».
«فتح» : كما يشير الراغب في مفرداته ، الفتح إزالة الإغلاق والإشكال. وذلك ضربان : أحدهما : يدرك بالبصر كفتح الباب ونحوه ، وكفتح القفل ، والغلق والمتاع ؛ والثاني : يدرك بالبصيرة كفتح الهم وهو إزالة الغمّ ، وذلك ضروب : أحدها : في الامور الدنيوية كغمّ يُفرج وفقر يزال بإعطاء المال ونحوه ، والثاني : فتح المستغلق من العلوم ، ... إلى أن يقول : و «فتح القضية فتاحاً فصل الأمر فيها وأزال الإغلاق عنها». وعليه فإنّ استخدام هذه المفردة هنا لأنّ الحكم والقضاء يتمّ أيضاً هناك ، فضلاً عن الفصل والتفريق بينهما الذي هو أحد معاني كلمة «فتح» ـ ومجازاة كل بما يستحق.
في الآية الأخيرة من هذه الآيات والتي هي عبارة عن الأمر الخامس للرسول صلىاللهعليهوآله يعود القرآن إلى الحديث مرّة اخرى في مسألة التوحيد التي ابتدأ بها ليختمه بها. يقول تعالى : (قُلْ أَرُونِى الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ).