ومن الواضح أنّه لا أثر لهذا النداء والطلب ، ولا يقال لهم «لبيك» .. (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ). فحينئذٍ لا ينفعهم شيء (وَرَأَوُا الْعَذَابَ). ويتمنون (لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ).
(وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَا ذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٧٠)
تعقب الآيات محل البحث ، على ما كان في الآيات السابقة في شأن المشركين وما يسألون يوم القيامة. فبعد أن يُسألوا عن شركائهم ومعبوديهم ، يسألون عن مواقفهم وما أبدوه من عمل إزاء أنبيائهم : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ).
ومن المسلم به أنّ هؤلاء «المشركين» لا يملكون جواباً لهذا السؤال. فكل ما يقولون كاشف عن فضيحتهم وشقائهم ، حتى أنّ الأنبياء والمرسلين في ذلك اليوم يجيبون ربّهم حين يسألون : (مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَاعِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلمُ الْغُيُوبِ) (١).
ما الذي يقوله في ذلك اليوم وفي ذلك المكان عمي القلوب من المشركين؟ لذلك يكشف القرآن عن حالهم هناك فيقول : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَايَتَسَاءَلُونَ). أي يسأل بعضهم بعضاً ولا يعرفون جواباً.
وحيث إنّ اسلوب القرآن هو ترك الأبواب مفتوحة بوجه الكافرين والآثمين دائماً ، لعلّهم يتوبون ويرجعون إلى الحق في أي مرحلة كانوا من الإثم ، فإنّه يضيف في الآية التي بعدها : (فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ).
فسبيل النجاة ـ حسب ما يوضحه القرآن ـ يتلخّص في ثلاث جمل هي العودة والتوبة إلى الله ، والإيمان ، والعمل الصالح ، وعاقبتهما النجاة والفلاح حتماً.
والآية التي بعدها دليل على نفي الشرك وبطلان عقيدة المشركين ، إذ تقول : (وَرَبُّكَ
__________________
(١) سورة المائدة / ١٠٩.