أتباعه كانوا قد وقفوا عند رأس الطفل ليقتلوه ، لأنّ القرآن الكريم يقول في هذا الصدد : (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَاتَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا).
إنّ فرعون وجد في مخايل الطفل والعلائم الاخرى أنّ هذا الطفل من بني إسرائيل ، فأراد أن يجري قانون إجرامه عليه. ولكن آسية امرأة فرعون التي لم ترزق ولداً ذكراً ، وقفت بوجه فرعون وأعوانه ومنعتهم من قتله.
وإذا أضفنا قصة شفاء بنت فرعون بلعاب فم موسى ـ على ما قدمناه ـ فسيكون دليلاً آخر يوضح كيفية انتصار آسية في هذه الازمة.
ولكن القرآن ـ بجملة مقتضية وذات مغزى كبير ـ ختم الآية قائلاً : (وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ).
أجل ، إنّهم لم يشعروا أنّ أمر الله النافذ ومشيئته التي لا تقهر ، اقتضت أن يتربى هذا الطفل في أهم المراكز خطراً ... ولا أحد يستطيع أن يردّ هذه المشيئة ، ولا يمكن مخالفتها أبداً ..
(وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (١٣)
عودة موسى إلى حضن امّه : في هذه الآيات تتجسد مشاهد جديدة .. فام موسى التي قلنا عنها : إنّها ألقت ولدها في أمواج النيل ، بحسب ما فصّلنا آنفاً .. اقتحم قلبها طوفان شديد من الهمّ على فراق ولدها ، فأوشكت أن تصرخ من أعماقها وتذيع جميع أسرارها ، لكن لطف الله تداركها ، وكما يعبّر القرآن الكريم : (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). «الفارغ» : معناه الخالي ، والمقصود به هنا أنّ قلب امّ موسى أصبح خالياً من كل شيء إلّامن ذكر موسى ؛ «ربطنا» : من مادة «ربط» ومعناها في الأصل شدّ وثاق الحيوان أو ما أشبهه بمكان ما ليكون محفوظاً في مكانه.
والمقصود من «ربط القلب» هنا تقويته .. أي تثبيت قلب ام موسى ، لتؤمن بوعد الله