إنّ الآية آنفة الذكر من قبيل آيات التوحيد ودلائل عظمة الله في هذه الدنيا ، وتشير إلى حركة الأرض التي لا نحس بها ، فالآية آنفة الذكر تعدّ من معاجز القرآن العلمية.
(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٩٣)
كان الكلام في الآيات السابقة عن أعمال العباد وعلم الله بها ، أمّا الآيات محل البحث فيقع الكلام في مستهلّها عن جزائهم وثواب أعمالهم وأمنهم من فزع يوم القيامة ، إذ يقول سبحانه : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍءَامِنُونَ).
إنّ معنى الآية واسع كما أنّ الحسنة هنا معناها واسع أيضاً ، فهي تشمل الصالحات والأعمال الخالصة ، ومن ضمنها الإيمان بالله وبرسوله وولاية الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام ، التي تعدّ في طليعة الأعمال الحسنة ، ولا يمنع أن تكون هناك أعمال صالحة اخرى تشملها الآية.
ثم يتحدث القرآن عن الطائفة الاخرى التي تقابل أصحاب الحسنات فتقول : (وَمَن جَاءَ بِالسَّيّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمُ فِى النَّارِ).
وليس لهذه الطائفة أيّ توقع غيرها (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
«كُبّت» : مأخوذ من «كبّ» على وزن «جدّ» ومعناه في الأصل إلقاء الشيء على وجهه على الأرض ، فبناء على هذا فإنّ ذكر «وجوههم» في الآية هو من باب التوكيد.
إنّ اولئك حين كانوا يواجهون الحقّ يُلوون وجوههم ورؤوسهم ، وكانوا يواجهون الذنوب بتلك الوجوه فرحين ... فالآن لابدّ أن يبتلوا بمثل هذا العذاب.
ثم يوجه الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله في الآيات الثلاث من آخر هذه السورة ، ويؤكّد له هذه الحقيقة وهي أن يخبر اولئك المشركين بأنّ عليه أن يؤدّي رسالته ووظيفته ، سواءً آمنتم أم لم تؤمنوا؟! فتقول الآية الاولى من هذه الآيات : (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ).
هذه البلدة المقدسة التي يتلخّص كل وجودكم وشرفكم بها.
أجل ، أعبد ربّ هذه البلدة المقدسة (الَّذِى حَرَّمَهَا) وجعل لها خصائص وأحكاماً