باللطف والمحبة : (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وهذا التعبير الجميل الرائع كناية عن التواضع المشفوع بالمحبة واللطف ، كما أنّ الطيور تخفض أجنحتها لأفراخها محبة منها لها ، وتجعلها تحت أجنحتها لتكون مصانةً من الحوادث المحتملة ، ولتحفظها من التشتت والتفرّق ، فكذلك الأمر بالنسبة للنبي إذ امر أن يخفض جناحه للمؤمنين الصادقين.
ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي أنّ الأعداء لم يقبلوا دعوتك وعصوا أوامرك. فلا تبتئس ولا تحزن : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّى بَرِىءٌ مّمَّا تَعْمَلُونَ). أي إذا لم يذعنوا بعد دعوتك إياهم للحق ، وواصلوا شركهم وعنادهم ، فعليك أن تبيّن موقفك منهم.
وأخيراً فالأمر الالهي الخامس للنبي صلىاللهعليهوآله لإكمال مناهجه السابقة ، هو : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ).
ذلك الله (الَّذِى يَرَيكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِى السجِدِينَ).
أجل ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وهكذا تذكر الآيات ثلاث صفات لله بعد وصفه بالعزيز الرحيم وكل منها يمنح الأمل ويشدّ من عزم النبي على مواصلة طريقة ، إذ أنّ الله يرى جهوده وأتعابه وحركاته وسكناته ، وقيامه وسجوده وركعاته.
ذلك الله الذي يسمع صوته.
الله الذي يعلم حاجاته وطلباته حاجته.
«التقلب» : معناه الحركة والإنتقال من حال إلى حال ، وهذا التعبير لعله إشارة إلى سجود النبي صلىاللهعليهوآله بين الساجدين في أثناء الصلاة ، أو إلى حركة النبي صلىاللهعليهوآله وتنقله بين أصحابه وهم مشغولون بالعبادة ، وكان يتابع أحوالهم ويسأل عنهم.
وفي المجموع فإنّ هذا التعبير إشارة إلى أنّ الله سبحانه لا يخفى عليه شيء من حالاتك وسعيك ، سواءً كانت شخصية فردية ، أم كانت مع المؤمنين في صورة جماعية ، لتدبير امور العباد ولنشر مبدأ الحق.
إنذار الأقربين (حديث يوم الدار) : وفقاً لما ورد في التواريخ الإسلامية ، امر النبي في السنة الثالثة بدعوته الأقربين من عشيرته ، فدعا النبي صلىاللهعليهوآله «عشيرته» إلى بيت عمّه أبي طالب ، وكانوا في ذلك اليوم حوالي أربعين رجلاً.