لو نُزل القرآن على الأعاجم : في هذه الآيات يتكلم القرآن على واحدة من الذرائع الإحتمالية من قبل الكفار وموقفه منها ، ويستكمل البحث السابق في نزول القرآن بلسان عربي مبين ، فيقول : (وَلَوْ نَزَّلْنهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ).
بعض العرب ممن يتمسك بالعرقية ويعبد القومية كانوا متعصبين إلى درجة بحيث لو نزل القرآن على غير العرب لما آمن به ورغم أنّ القرآن نزل على عربي شريف من أسرة كريمة ، في بيان رائع رائق بليغ وقد بشرت به الكتب السماوية السابقة ، وشهد بذلك علماء بني إسرائيل ، ومع ذلك كلّه لم يؤمن به الكثير من العرب ، فكيف إذا كان نبيّهم ليس فيه أية صفة من الصفات المذكورة.
ثم تضيف الآية لمزيد التأكيد : (كَذلِكَ سَلَكْنهُ فِى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ).
في بيان بليغ وبلسان رجل من بينهم ، وهم يعرفونه ويعرفون سيرته وأخلاقة ، وبمحتوى بشرت به الكتب السماوية السابقة.
والخلاصة إنّنا نسلكه بجميع هذه الأوصاف في قلوب المجرمين ليكون مقبولاً سهلاً مطبوعاً إلّاأن هذه القلوب المرضى تمتنع عن قبوله ، فمثله كمثل الطعام الطيب النافع الذي تلفظه المعدة السقيمة.
ولذلك تقول الآية : (لَايُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ). أي : إنّ هؤلاء المجرمين المعاندين ، يظلون على حالهم حتى نزول العذاب.
أجل ، إنّهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب (فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ).
لا شك أنّ المراد من هذا العذاب ، هو عذاب الدنيا والبلاء المهلك وعقاب الإستئصال.
لذا فإنّ القرآن يحكي عن حالهم فيقول : إنّهم في هذه الحال يرجعون إلى أنفسهم ، ويندمون على أفعالهم ، ويتملكهم الخوف من المصير المرعب ، ويودون بأن يعطوا فرصة لجبران ما فات والإيمان بالرسالة الإلهية : (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ).
(أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٠٩) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (٢١٢)