أجل ، لقد نجّى الله لوطاً والمؤمنين القلّة معه ، فأمر أن يخرج بهم ليلاً من تلك المدينة ـ أو القرية ـ فترك قومه الغارقين بالفسق والفجور على حالهم ، فنزل عذاب الله في الغداة ، فتزلزلت بهم الأرض وانهارت عليهم الأبنية والقصور الجميلة حتى أصبح عاليها سافلها وهلكوا جميعاً في ديارهم ، وقد عبّر القرآن عن كان ذلك بعبارة موجزة بليغة ، فقال : (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْأَخَرِينَ) ، ولم يكف ذلك بل (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا). وأيّ مطر ، إنّه وابل من احجار نزل على تلك الخرائب ليمحو أثرها من الانظار ، (فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ).
والأمطار عادة تمنح الحياة ، إلّاأنّ هذا المطر كان موحشاً مهلكاً مخرّباً ...
ويستفاد من الآية (٨٢) من سورة هود أنّ قرى قوم لوط ومدنهم قُلب عاليها سافلها أوّلاً ، ثم أمطرت بالحجر النضيد المتراكم.
ومرّة اخرى نواجه في نهاية هذه القصة الجملتين اللتين تكررتا في القصص المشابهة لها في هذه السورة ، في شأن خمسة أنبياء كرام آخرين ، إذ يقول القرآن : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ).
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ). وأيّة رحمة أعظم من أنّه لا يعاقب أقواماً فاسقين كقوم لوط فوراً ، بل يمهلهم إمهالاً كافياً لعلّهم يهتدون ، ويجددوا نظرهم في أعمالهم.
وأيّة رحمة أعظم من أن لا يخلط عقابه «الأخضر باليابس» بل لو كان في ألف ألف اسرة غير صالحة أسرة واحدة صالحة ، فإنّه ينجيها منها وينزل العذاب على اولئك.
وأيّة عزّة أعظم من أن ترى بطرفة عين واحدة ديار الفاسقين قد دُمرت تدميراً ولم يبق منها أي أثر.
(كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) (١٨٤)
شعيب وأصحاب الأيكة : هذه هى القصة السابعة ، والحلقة الأخيرة من قصص الأنبياء