لكن القرآن
يردّ عليهم في جملة واحدة فقط ، تلك هي : (فَقَدْ جَاءُو
ظُلْمًا وَزُورًا) .
«الظلم» هنا
لأنّ رجلاً أميناً طاهراً وصادقاً مثل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله اتّهموه بالكذب والإفتراء على الله ، وبالإشتراك مع
جماعة من أهل الكتاب ، فظلموا أنفسهم والناس أيضاً. و «الزور» هنا أنّ قولهم لم
يكن له أساس مطلقاً ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله دعاهم عدّة مرات إلى الإتيان بسورة وآيات مثل القرآن ،
فعجزوا وضعفوا أمام هذا التحدي.
كلمة «زور» في
الأصل من «زَور» (على وزن غور) أخذت بمعنى : أعلى الصدر ، ثم أطلقت على كل شيء
يتمايل عن حدّ الوسط ، وبما أنّ «الكذب» انحرف عن الحق ، ومال إلى الباطل ، فقد
سمّوه «زوراً».
تتناول الآية
التالية لوناً آخر من
التحليلات المنحرفة والحجج الواهية للمشركين فيما يتعلق بالقرآن ، فتقول : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
اكْتَتَبَهَا) .
وهو يستلهمها
من الآخرين طيلة اليوم من أجل الوصول إلى هذا الهدف : (فَهِىَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً).
إنّه يتلقى
المعونة لأجل هدفه في الأوقات التي يقلّ فيها تواجد الناس ، أي بكرة وعشياً.
لذا (فالآية الأخيرة) تصرح بصيغة الرد على هذه الإتهامات الواهية ، فتقول : (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ
السّرَّ فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
إشارة إلى أنّ
محتوى هذا الكتاب ، والأسرار المتنوعة فيه من علوم ومعارف وتاريخ الأقوام الأوّلين
، والقوانين والاحتياجات البشرية ، وحتى أسرار عالم الطبيعة والأخبار المستقبلية ،
تدل على أن ليس من صنع ومتناول عقل البشر ، ولم ينظّم بمساعدة هذا أو ذاك ، بل
بعلم الذي هو جدير بأسرار السماء والأرض ، والمحيط بكل شيء علماً.
لكن مع كل هذا
، فإنّ القرآن يترك طريق التوبة مفتوحاً أمام هؤلاء المغرضين والمنحرفين ، فيقول
تبارك وتعالى في ختام الآية : (إِنَّهُ كَانَ
غَفُورًا رَّحِيمًا).
فبمقتضى رحمته
أرسل الأنبياء ، وأنزل الكتب السماوية ، وبمقتضى غفوريته سيعفو في ظل الإيمان
والتوبة عن ذنوبكم التي لا تحصى.
__________________