سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قيل : نزلت هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ) في جماعة كانوا يقدمون على رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة. فكان أحدهم إذا صحّ جسمه ونتجت فرسه وولدت إمرأته غلاماً ، وكثرت ماشيته ، رضي به ، واطمأن إليه ، وإن أصابه وجع في المدينة ، وولدت امرأته جارية ، قال : ما أصبت في هذا الدين إلّاشرّاً.
التّفسير
الواقف على حافّة وادي الكفر : تحدثت الآيات السابقة عن مجموعتين : الأتباع الضالين ، والقادة المضلين ، أمّا هذه الآيات ، فتتحدث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإيمان ، قال القرآن المجيد عن هذه المجموعة : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ). أي إنّ بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان ، وإنّ إيمانه ضعيف جدّاً ، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.
ثم تناول القرآن الكريم عدم ثبات الإيمان لدى هؤلاء الأشخاص (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ). إنّهم يطمئنون إذا ضحكت لهم الدنيا وغمرتهم بخيراتها ، ويعتبرون ذلك دليلاً على أحقّية الإسلام ، إلّاأنّهم يتغيّرون ويتّجهون إلى الكفر إن امتحنوا بالمشاكل والقلق والفقر ، فالدين والإيمان لديهم وسيلة للحصول على ما يبتغون في هذه الدنيا ، فإن تمّ ما يبغونه كان الدين حقّاً ، وإلّا فلا.
ويضيف القرآن المجيد في الختام : (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةَ) و (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ). مؤكّداً أنّ أفدح الضرر وأفظع الخسران ، هو أن يفقد الإنسان دينه ودنياه.
وتشير الآية التالية إلى إعتقاد هذه الفئة الخليط بالشرك ، خاصة بعد الإنحراف عن صراط التوحيد والإيمان بالله ، فتقول : (يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَا لَايَضُرُّهُ وَمَا لَايَنفَعُهُ). أي إذا كان هذا الإنسان يسعى إلى تحقيق مصالحه المادية والإبتعاد عن الخسائر ويرى صحّة الدين في إقبال الدنيا عليه ، وبطلانه في إدبارها عنه ، فلماذا يتوجّه إلى أصنام لا يؤمّل منها خير ، ولا يخاف منها ضرر ، فهي أشياء لا فائدة فيها ، ولا أثر لها في مصير البشر. أجل ، (ذلِكَ هُوَ الضَّللُ الْبَعِيدُ). إنّ هؤلاء ليبتعدون عن الصراط المستقيم بُعداً حتى لا ترجى عودتهم إلى الحقّ إلّارجاءً ضعيفاً جدّاً.
ويوسّع القرآن الكريم هذا المعنى فيقول : (يَدْعُوا لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ). لأنّ هذا المعبود المختلق ينزل بفكرهم إلى الحضيض في هذه الدنيا ، ويدفعهم نحو الخرافات والجهل ، ويدعهم في الآخرة في نار جهنم.