طلب موسى من الله في المرحلة الثانية أن تيسر له اموره وأعماله ، وأن تذلل هذه العقبات التي تعترضه ، فقال : (وَيَسّرْ لِى أَمْرِى).
ثم طلب موسى أن تكون له قدرة على البيان بأعلى المراتب فقال : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِى).
خاصة وأنّه بيّن علة هذا الطلب فقال : (يَفْقَهُوا قَوْلِى). فهذه الجملة تفسير للآية التي قبلها. أي : أريد أتكلم بدرجة من الفصاحة والبلاغة والتعبير بحيث يدرك أيّ سامع مرادي من الكلام جيّداً.
ولمّا كان إيصال هذا الحمل الثقيل ـ حمل رسالة الله ، وقيادة البشر وهدايتهم ، ومحاربة الطواغيت والجبابرة ـ إلى المحل المقصود يحتاج إلى معين ومساعد ، ولا يمكن أن يقوم به إنسان بمفرده ، فقد كان الطلب الرابع لموسى من الله هو : (وَاجْعَل لِّى وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِى).
ثم يشير إلى أخيه ، فيقول : (هرُونَ أَخِى). وهارون كان الأخ الأكبر لموسى ، وكان يكبره بثلاث سنين ، وكان طويل القامة ، جميلاً بليغاً ، عالي الإدراك والفهم ، وقد رحل عن الدنيا قبل وفاة موسى بثلاث سنين.
وقد كان نبيّاً مرسلاً كما كان نبيّاً وهبه الله لموسى من رحمته.
ثم يبيّن موسى عليهالسلام هدفه من تعيين هارون للوزارة والمعونة فيقول : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِى).
ويطلب ، من أجل تكميل هذا المقصد والمطلب : (وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى). فيكون شريكاً في مقام الرسالة ، وفي إجراء وتنفيذ هذا البرنامج الكبير ، إلّاأنّه يتبع موسى على كل حال ، فموسى إمامه ومقتداه.
وفي النهاية يبيّن نتيجة هذه المطالب فيقول : (كَى نُسَبّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا).
ولمّا كان موسى لم يهدف من طلباته المخلصة هذه إلّاالخدمة الأكثر والأكمل ، فإنّ الله سبحانه قد لبّى طلباته في نفس الوقت : (قَالَ قَد أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يمُوسَى).
إنّ موسى طلب كل ما كان يلزمه في هذه اللحظات الحساسة الحاسمة التي يجلس فيها لأوّل مرّة على مائدة الضيافة الإلهية ويطأ بساطها ، والله سبحانه كان يحبّ ضيفه أيضاً ، حيث لبّى كل طلباته وأجابه فيها في جملة قصيرة تبعث الحياة ، وبدون قيد وشرط.