رؤية المعلم الكبير : عندما رجع موسى عليهالسلام وصاحبه إلى المكان الأوّل ، أي قرب الصخرة وقرب (مجمع البحرين) ، فجأة : (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَاءَاتَيْنهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا).
إنّ استخدام كلمة «وجدا» تفيد أنّهم كانوا يبحثون عن نفس هذا الرجل العالم ، وقد وجداه أخيراً.
أمّا استخدام عبارة (عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا) فهي تبيّن أنّ أفضل فخر للإنسان هو أن يكون عبداً حقيقياً للخالق جلّ وعلا ، وإنّ مقام العبودية هذا يكون سبباً في شمول الإنسان بالرحمة الإلهية ، وفتح أبواب المعرفة والعلم في قلبه.
كما أنّ استخدام عبارة (مِن لَّدُنَّا) تبيّن أنّ علم ذلك العالم لم يكن علماً عادياً ، بل كان يعرف جزءاً من أسرار هذا العالم ، وأسرار الحوادث التي لا يعلمها سوى الله تعالى.
والمقصود من عبارة (رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا) هو الإستعداد الكبير والروح الواسعة ، وسعة الصدر التي وهبها الله تعالى لهذا الرجل كي يكون قادراً على استقبال العلم الإلهي.
في هذه الأثناء قال موسى للرجل العالم باستفهام وبأدب كبير : (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْدًا).
في معرض الجواب نرى أنّ الرجل العالم يجيب موسى عليهالسلام بكلام عجيب : (قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا).
ثم بيّن سبب ذلك مباشرة وقال : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا).
إنّ هذا الرجل العالم كان يحيط بأبواب من العلوم التي تخصّ أسرار وبواطن الأحداث ، في حين أنّ موسى عليهالسلام لم يكن مأموراً بمعرفة البواطن ، وبالتالي لم يكن يعرف عنها الكثير.
في مثل هذه الحالة يفقد الشخص الذي ينظر إلى الظاهر صبره وتماسكه فيقوم بالإعتراض وحتى بالتشاجر.
وقد يكون موسى عليهالسلام اضطرب عندما سمع هذا الكلام وخشي أن يحرم من فيض هذا العالم الكبير ، لذا فقد تعهّد بأن يصبر على جميع الحوادث و (قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِى لَكَ أَمْرًا).
مرّة اخرى كشف موسى عليهالسلام عن قمّة أدبه في هذه العبارة ، فقد اعتمد على خالقه حيث لم يقل للرجل العالم : إنّي صابر ، بل قال : إن شاء الله ستجدني صابراً.