(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً) (٩٥)
ذريعة عامة : الآيات السابقة تحدّثت عن تذرّع المشركين ـ أو قسم منهم ـ في قضية التوحيد ، أمّا الآيات التي نبحثها فإنّها تشير إلى ذريعة عامة في مقابل دعوة الأنبياء ، حيث تقول : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً).
هل يمكن التصديق بأنّ هذه المهمة والمنزلة الرفيعة تقع على عاتق الإنسان ، ثم ـ والكلام للمشركين ـ ألم يكن الأولى والأجدر أن تقع هذه المهمة وهذه المسؤولية على عاتق مخلوق أفضل كالملائكة ـ مثلاً ـ كي يستطيعوا أداء هذه المهمة بجدارة ... إذ أين الإنسان الترابي والرسالة الإلهية؟!
إنّ هذا المنطق الواهي الذي تحكيه الآية على لسان المشركين لا يخصّ مجموعة أو مجموعتين من الناس ، بل إنّ أكثر الناس وفي امتداد تأريخ النّبوات قد تذرّعوا به في مقابل الأنبياء والر سل.
القرآن الكريم أجاب هؤلاء جميعاً في جملةٍ قصيرة واحدة مليئة بالمعاني والدلالات ، قال تعالى : (قُل لَّوْ كَانَ فِى الْأَرْضِ مَلِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمِنّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولاً). يعني أنّ القائد يجب أن يكون من سنخ من بعث إليه ، ومن جنس أتباعه ، فالإنسان لجماعة البشر ، والملك لجماعة الملائكة.
ودليل هذا التجانس والتطابق بين القائد وأتباعه واضح ؛ فمن جانب يعتبر التبليغ العملي أهم وظيفة في عمل القائد من خلال كونه قدوة واسوة ، وهذا لا يتمّ إلّاأن يكون القائد من جنسهم ، يمتلك نفس الغرائز والأحاسيس ، ونفس مكوّنات البناء الجسمي والروحي الذي يملكه كل فرد من أفراد جماعته.
من جانب آخر ينبغي للقائد أن يدرك جميع احتياجات ومشاكل أتباعه كي يكون قادراً على علاجهم ، والإجابة على أسئلتهم ، لهذا السبب نرى أنّ الأنبياء برزوا من بين عامة الناس.