وإلى الاختلاف ، والتشرذم ، والتفرق ، وتزرع فيكم بذور الفرقة والنفاق.
ثم يختم جميع هذه الأقسام وللمرة الثالثة ـ لغرض التأكيد ـ بقوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
بحثان
١ ـ أهمية الإحسان إلى الوالدين : إنّ ذكر مسألة الإحسان للوالدين ـ بعد مكافحة الشرك مباشرة ، وقبل ذكر تعاليم مهمة مثل حرمة قتل النفس والأمر بالعدل ـ يدل على الأهمية القصوى التي يحظى بها حق الوالدين في التعاليم الإسلامية.
ويتّضح هذا الأمر أكثر عندما نرى أنّ القرآن الكريم ذكر بدل تحريم أذى الوالدين الذي يلائم سياق هذه الآية في استعراضها للمحرمات ، مسألة الإحسان إليهما ، يعني أنّه ليس إزعاج الوالدين وإيذاؤهما محرّماً فقط ، بل يجب الإحسان إليهما.
والأجمل من هذا كله أنّ كلمة «الإحسان» عُدّيت بحرف «الباء» فقال : (وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا). وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الآية تؤكد أنّ موضوع الإحسان إلى الوالدين من الأهمية البالغة بحيث يجب على الإنسان أن يباشر الاحسان بنفسه إلى الوالدين.
٢ ـ قتل الأولاد من الإملاق والجوع : يستفاد من هذه الآيات أنّ العرب في العهد الجاهلي لم يقتصروا على قتل البنات ووأدهن بسبب بعض العصبيات الخاطئة فحسب ، بل كانوا يقتلون أولادهم الذين كانوا يُعدّون ثروة كبرى في المجتمع يومذاك ، وذلك بسبب الفقر وخشيتهم من الفاقة.
ولكن هذا العمل الجاهلي ـ وللأسف البالغ ـ يتكرّر الآن في عصرنا في صورة اخرى ، إذ نلاحظ كيف يعمد الناس إلى قتل الأطفال الأبرياء وهم أجنّة عن طريق الكورتاج والإجهاض بحجة النقصان الاحتمالي في المواد الغذائية.
إنّ إسقاط الجنين وإن كان يُبرّر الآن بأدلة وحجج اخرى أيضاً ، إلّاأنّ مسألة الفقر ومسألة نقصان المواد الغذائية ، هي من أدلتها الأصلية.
هذه المسألة والمسائل المشابهة الاخرى تشير إلى أنّ العهد الجاهلي يتكرر في شكل آخر ، وأنّ «جاهلية القرن العشرين» أكثر وحشية من جاهلية ما قبل الإسلام.