وثانياً : تأكيد وإنذار للآخرين ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله إذا لم يكن مصوناً من العقوبات الإلهية في حالة انحرافه عن مسيرة الحق وإتّجاهه صوب الباطل ، فما بال الآخرين؟
الآية الاخرى جواب لما كان يستشكله أعداء الرسول صلىاللهعليهوآله. ومن جملة هذه الإشكالات :
أوّلاً : كان البعض يقول : هل من الممكن أن يكون الرسول من جنس البشر ، يتزوج وتكون له ذرّية؟ فالآية تجيبهم وتقول ليس هذا بالأمر الغريب : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً).
ثانياً : كان ينتظر هؤلاء من الرسول أن يجيبهم على كل معجزة يقترحونها عليه بما تقتضيه أهواؤهم ، سواء آمنوا أو لم يؤمنوا ، ولكن يجب أن يعلم هؤلاء أنّ (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بَايَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
ثالثاً : لماذا جاء نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله وغيّر أحكام التوراة والإنجيل؟ وتجيب الجملة الأخيرة من الآية فتقول : (لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ) كيما تبلغ البشرية المرحلة النهائية من الرشد والتكامل فليس من العجيب أن ينزّل يوماً التوراة ، ويوماً آخر الإنجيل ، ثم القرآن ، لأنّ البشرية في تحوّلها وتكاملها بحاجة إلى البرامج المتغيرة والمتفاوتة.
الآية الاخرى بمنزلة التأكيد والاستدلال لما ورد في ذيل الآية السابقة ، وهو أنّ لكل حدث وحكم زمن معين كما يقال : إنّ الامور مرهونة بأوقاتها ، وإذا رأيت أنّ بعض الكتب السماوية تأخذ مكان البعض الآخر فذلك بسبب (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) فيحذف بعض الامور بمقتضى حكمته وإرادته ويثبت اموراً اخرى ، ولكن الكتاب الأصل عنده.
وفي النهاية وللتأكيد أكثر بالنسبة للعقوبات التي كان يوعدهم النبي صلىاللهعليهوآله بها وكانوا ينتظرونها حتى أنّهم يقولون : لماذا لا تصبح هذه الوعود عملية؟ يقول تعالى : (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُم) (من إنتصارك عليهم وهزيمتهم وتحرير أتباعك وأسر أتباعهم في حياتك) (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ).
إنّ جملة (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ) تبيّن قانوناً عامّاً وشاملاً وقد اشير إليه في مختلف المصادر الإسلامية ، وهو أنّ تحقّق وصيرورة الحوادث المختلفة للعالم لها مرحلتين : الاولى المرحلة القطعيّة أو الثابتة ، ولا سبيل للتغيير فيها (والتي أشارت إليها الآية أعلاه بام الكتاب) والاخرى المرحلة المتغيرة أو بعبارة اخرى «المشروطة» والتي يجد التغيير سبيلاً