الشّفاء ، وتستوصف لهم الأطبّاء ، غداة لا يغني عنهم دواؤك ، ولا يجدي عليهم بكاؤك.
لم ينفع أحدهم إشفاقك ، ولم تسعف فيه بطلبتك ، ولم تدفع عنه بقوّتك! وقد مثّلت لك به الدّنيا نفسك (١) ، وبمصرعه مصرعك.
إنّ الدّنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها مسجد أحبّاء الله ، ومصلّى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله.
اكتسبوا فيها الرّحمة ، وربحوا فيها الجنّة. فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها (٢) ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ؛ فمثّلت لهم ببلائها البلاء ، وشوّقتهم بسرورها إلى السّرور؟! راحت بعافية ، وابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا ، وتخويفا وتحذيرا ، فذمّها رجال غداة النّدامة (٣) ، وحمدها آخرون يوم القيامة.
ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا ، وحدّثتهم فصدّقوا ، ووعظتهم فاتّعظوا ... » (٤).
تحدّث الإمام عليهالسلام عن الدنيا وأنّها دار زوال وفناء ، فالمغرور من غرّته ، والشقيّ من فتن بها ، والسعيد من خشي ربّه ، وعمل صالحا واهتدى فإنّها تكون دار تجارة وربح له.
__________________
(١) المعنى : أنّ الدنيا قد جعلت الهالك قبلك مثالا لنفسك.
(٢) المراد : أنّ الدنيا قد أعلمت أهلها ببينها ، أي بزوالها وفنائها.
(٣) يعني : أهل الدنيا ذمّوها عند ما أصبحوا نادمين على ما فرّطوا فيها.
(٤) نهج البلاغة ـ محمّد عبده ٤ : ٣١ ـ ٣٢.