وتمثّله ، ويأخذ الإمام المربّي في وصيّته قائلا :
أي بنيّ! إنّي وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمالهم ، وفكّرت في أخبارهم ، وسرت في آثارهم ؛ حتّى عدت كأحدهم ؛ بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ، ونفعه من ضرره ، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله (١) ، وتوخّيت لك جميله ، وصرفت عنك مجهوله ، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشّفيق ، وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدّهر ، ذو نيّة سليمة ، ونفس صافية ، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله عزّ وجلّ وتأويله ، وشرائع الإسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره. ثمّ أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف النّاس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الّذي التبس عليهم ، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إليّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة ، ورجوت أن يوفّقك الله فيه لرشدك ، وأن يهديك لقصدك ، فعهدت إليك وصيّتي هذه ...
يقدّم الإمام عليهالسلام لولده الزكي في وصاياه زبدة التجارب وخلاصة النصائح التي أخذت بها الامم السابقة ، وأنّه عليهالسلام وإن لم يكن شاهدهم إلاّ أنّه نظر بعمق وشمول إلى تاريخهم وأحوالهم ، فوقف على أسباب سعادتهم وأسباب شقائهم ، وقدّم ذلك لولده.
وكان من أهمّ ما عنى به الإمام في هذا المقطع تعليم ولده لكتاب الله تعالى
__________________
(١) النخيل : المختار المصفى.