هذه هي الأسباب والعلل في تكامل وانحطاط الامم والحضارات في منظور القرآن.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ) (٨٨)
القلوب المغلفة : الحديث في هاتين الآيتين عن بني إسرائيل ، وإن كانت المفاهيم والمعايير التي تطرحها الآيتان عامة وشاملة. تقول الآية الاولى : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ). ثم تذكر بعثة الأنبياء بعد موسى مثل داود وسليمان ويوشع وزكريا ويحيى ... (وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ). وتشير إلى بعثة عيسى : (وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيّنَاتِ وَأَيَّدْنهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ). لكن تعامل بني إسرائيل كان مع كل هؤلاء الأنبياء قائماً على أساس نزعات هوى النفس : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَاتَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ). وكان موقفهم إمّا اغتيال شخصية النبي أو شخص النبي : «فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ». لو كان اغتيال الشخصية كافياً لتحقيق أهدافهم الدنيئة اكتفوا بذلك ، وإن لم يكن كافياً سفكوا دمه!
الآية التالية تذكر ما كانوا يقولونه باستهزاء مقابل دعوة الأنبياء لهم أو دعوة النبي الخاتم صلىاللهعليهوآله : (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ). و «الغلف» : جمع «أغلف» أي مغلّف.
نعم ، إنّها كذلك مغلفة وبعيدة عن نفوذ النور الإلهي إليها ، لأنّ أصحابها لعنوا بعد التمادي في الكفر : (بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ).
الآية تبين حقيقة هامة هي : إنّ الإنغماس في الأهواء يبعد الفرد عن الله ، ويسدل الحجب على قلبه ، فلا تكاد الحقيقة تجد لها طريقاً إلى نفسه.
بحثان
١ ـ ما هو روح القدس؟ للمفسرين آراء مختلفة في معنى روح القدس :
أ) قالوا إنّه جبرائيل ، فيكون معنى الآية على هذا إنّ الله أيد عيسى بجبرائيل.
ووجه تسمية جبرائيل بروح القدس ، هو أنّ جبرائيل ملك ، والجانب الروحي في