الميثاق إن أسر بعضهم بعضاً أن يفادوهم ، فأخرجوهم من ديارهم ثم فادوهم ، فآمنوا بالفداء ففدوا وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوهم».
وفي تفسير مجمع البيان روي في المعنيّ بهذه الآية عن ابن عباس : «أنّ قريظة والنضير كانا أخوين كالأوس والخزرج فافترقوا فكانت النضير مع الخزرج وكانت قريظة مع الأوس ، فإذا اقتتلوا عاونت كل فرقة حلفاءها ، فإذا وضعت الحرب أوزارها فدوا اسراها تصديقاً لما في التوراة ، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون جنة ولا ناراً ولا قيامة ولا كتاباً ، فأنبأ الله تعالى اليهود بما فعلوه».
وهكذا سقط اليهود وغيرهم من أهل العناد في مثل هذه التناقضات في حياتهم لانحرافهم عن خط العبودية التامة لله تعالى.
٢ ـ منهج البقاء وعوامل السقوط : الآيات الكريمة في معرض حديثها عن بني إسرائيل تطرح سنناً كونية في بقاء الشعوب وانحطاطها.
أهم عامل لبقاء الامّة ورفعتها وعزتها في المنظار القرآني ، اعتماد الامة على قوة الله وقدرته الأبدية وخضوعها له وحده دون سواه وخشيته وحده دون غيره : (لَاتَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ).
ومن عوامل البقاء أيضاً التلاحم الاجتماعي بين أفراد الامة ، وهذا ما يعبر عنه القرآن بالإحسان إلى الوالدين باعتبارهما أقرب أفراد المجتمع إلى الإنسان ، ثم الإحسان إلى ذي القربى ، ثم بعد ذلك إلى عامّة أفراد المجتمع من الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس.
إزالة التمييز الطبقي ورفع الهوّة السحيقة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع ، عن طريق إيتاء الزكاة ، ومن عوامل بقاء المجتمع أيضاً ورفعته.
أمّا عوامل السقوط فهي عبارة عن تفكك البنية الاجتماعية ، ونشوب النزاعات والحروب الداخلية بين أفراد المجتمع ، واستضعاف بعضهم بعضاً. (لَاتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ...).
ثم الإزدواجية في الالتزام بأحكام الله تعالى عامل هام من عوامل السقوط ، يدفع بالأفراد لأن يتحركوا حول محور مصالحهم الآنيّة الذاتية الضيقة ، فيلتزموا بالقوانين التي تحفظ لهم منافعهم الشخصية ، ويتركوا القوانين النافعة للمجتمع (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).