(قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). أي : إنّ الإستهزاء من عمل الجاهلين ، وأنبياء الله مبرّؤون من ذلك.
بعد أن أيقنوا جديّة المسألة ، (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا هِىَ). وعبارة «ربّك» تتكرر في خطاب بني إسرائيل لموسى ، وتنطوي على نوع من إساءة الأدب والسخرية ، وكأنّ ربّ موسى غير ربّهم!
موسى عليهالسلام أجابهم : (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَافَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ). أي : إنّها لا كبيرة هرمة ولا صغيرة ، بل متوسطة بين الحالتين : (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ).
لكن بني إسرائيل لم يكفوا عن لجاجتهم : (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا).
أجابهم موسى : (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ). أي : إنّها حسنة الصفرة لا يشوبها لون آخر.
ولم يكتف بنو إسرائيل بهذا ، بل أصروا على لجاجهم ، وضيقوا دائرة انتخاب البقرة على أنفسهم. عادوا و (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّنْ لَّنَا مَا هِىَ). طالبين بذلك مزيداً من التوضيح ، متذرعين بالقول : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ).
أجابهم موسى : (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَاذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِى الْحَرْثَ). أي :
ليست من النوع المذلل لحرث الأرض وسقيها.
(مُسَلَّمَةٌ) من العيوب كلها.
(لَّا شِيَةَ فِيهَا). أي : لا لون فيها من غيرها.
حينئذ : «قَالُوا النَ جِئْتَ بِالْحَقِّ». (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ). أي : أنّهم بعد أن وجدوا بقرة بهذه السمات ذبحوها بالرغم من عدم رغبتهم بذلك.
بعد أن ذكر القرآن تفاصيل القصّة ، عاد فلخص الحادث بآيتين : (وَإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَءْتُمْ فِيهَا). أي : فاختلفتم في القتل وتدافعتم فيه. (وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ).
(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا). أي : اضربوا المقتول ببعض أجزاء البقرة ، كي يحيى ويخبركم بقاتله. (كَذلِكَ يُحْىِ اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
وبعد هذه الآيات البينات ، لم تلن قلوب بني إسرائيل ، بل بقيت على قسوتها وغلظتها وجفافها. (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِىَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).
إنّها أشد قسوة من الحجارة ، لأنّ بعض الحجارة تتفجر منها الأنهار ، أو تنبع منها المياه أو