بالقوّة. وهذا الإرغام مؤقت هدفه كسر أنفتهم وعنادهم وغرورهم ، ومن ثم دفعهم للفكر الصحيح ، كي يؤدّوا واجباتهم بعد ذلك عن إرادة واختيار.
على أي حال ، هذا الميثاق يرتبط بالمسائل العملية ، لا بالجانب الاعتقادي ، فالمعتقدات لا يمكن تغييرها بالإكراه.
٣ ـ خذوا تعاليم السماء بقوة : خاطب الله سبحانه بني إسرائيل فقال : «خُذُوا مَاءَاتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ». وعن هذه الآية سئل الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليهالسلام عن المقصود من القوة في هذه الآية : أبقوة بالأبدان أم بقوة في القلوب؟ قال : «بهما جميعاً».
وهذا الأمر الإلهي يتجه إلى كل أتباع الأديان الإلهية في كل زمان ومكان ، ويطلب منهم أن يتجهزوا بالقوى المادية والقوى المعنوية معاً ، لصيانة خط التوحيد وإقامة حاكمية الله في الأرض.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٦٦)
عصاة يوم السبت : هاتان الآيتان الكريمتان تتحدثان ـ كالآيات السابقة ـ عن روح العصيان والتمرد المتغلغلة في اليهود ، والتصاقهم الشديد بالمسائل المادية : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِينَ) (١).
(فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا). أي : جعلناها عبرة لتلك الامة ولأمم تليها (وَمَوعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).
ملخص الحادثة التي تشير إليها الآية : «أنّ الله سبحانه أمر اليهود أن يسبتوا ـ أي أن يقطعوا أعمالهم ـ يوم السبت ، وهذا الأمر شمل طبعاً أولئك القاطنين قرب البحر الذين يعيشون على صيد الأسماك ، وشاء الله أن يختبر هؤلاء ، فكثرت الأسماك يوم السبت قرب الساحل بينما ندرت في بقية الأيّام. طفق هؤلاء يتحايلون لصيد الأسماك يوم السبت. فعاقبهم الله على عصيانهم ومسخهم على هيئة حيوان» (٢).
__________________
(١) «خسأ» : طرد وزجر ، ويستعمل لطرد الكلب ، وللطرد المقرون بالإستهانة يقال : إخْسأه.
(٢) راجع التفاصيل لدى توضيح الآيات (١٦٣ ـ ١٦٦) من سورة الأعراف.