تألّم موسى لهذا الموقف ودعا ربّه : (قَالَ رَبّ إِنّى لَاأَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (١). فكتب عليهم التيه أربعين عاماً في صحراء سيناء.
مجموعة من التائهين ندمت على ما فعلته أشد الندم ، وتضرعت إلى الله ، فشمل الله سبحانه بني إسرائيل ثانية برحمته ، وأنزل عليهم نعمه التي تشير الآية إلى بعضها : (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ).
والظّل له أهمّيّة كبرى لمن يطوي الصحراء طيلة النهار وتحت حرارة الشمس اللّافحة ، خاصة أنّ مثل هذا الظّل لا يضيّق الفضاء على الإنسان ولا يمنع عنه هبوب النسيم.
وإضافة إلى الظّل فإنّ الله سبحانه وفّر لبني إسرائيل بعد تيههم الطعام الذي كانوا في أمسّ الحاجة إليه خلال أربعين عاماً خلت من ضياعهم : (وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ).
لكن هؤلاء عادوا إلى الكفران : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».
بحوث
١ ـ المن والسلوى : «المنّ» شيء كالطلّ فيه حلاوة يسقط من الشجر و «السلوى» يعني التسلّي ، وقال بعض اللغويين وجمع من المفسرين إنّه «طائر».
احتمل بعض المفسرين أن يكون «المنّ» نوعاً من العسل الطبيعي حصل عليه بنو إسرائيل في الجبال والمرتفعات المحيطة بصحراء التيه. وهذا التفسير يؤيد ما ورد من شروح على العهدين (التوراة والإنجيل) حيث جاء : «الأراضي المقدسة معروفة بكثرة أنواع الأوراد والأزهار ، ومن هنا فإنّ مجاميع النحل تبني خلاياها في أخاديد الصخور وعلى أغصان الأشجار وثنايا بيوت الناس ، بحيث يستطيع أفقر الناس أن يتناول العسل» (٢).
بشأن «السلوى» قال بعض المفسرين إنّه العسل ، وأجمع الباقون على أنّه نوع من الطير ، كان يأتي على شكل أسراب كبيرة إلى تلك الأرض ، وكان بنو إسرائيل يتغذون من لحومها.
في النصوص المسيحية تأييد لهذا الرأي حيث ورد في تفسير على العهدين ما يلي : «إعلم أنّ السلوى تتحرك بمجموعات كبيرة من أفريقيا ، فتتجه إلى الشمال ، وفي جزيرة كابري
__________________
(١) سورة المائدة / ٢٥.
(٢) قاموس الكتاب المقدس / ٦١٢.