فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات.
التّفسير
حقد اليهود ومودّة النصارى : تقارن هذه الآيات بين اليهود والنصارى الذين عاصروا رسول الله صلىاللهعليهوآله. وضعت الآية الاولى اليهود والمشركين في طرف واحد ، والمسيحيين في طرف آخر : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى).
يشهد تاريخ الإسلام بجلاء على هذه الحقيقة ، ففي كثير من الحروب التي أثيرت ضد المسلمين كان لليهود ضلع فيها ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ولكنّنا قلّما نجد المسلمين يواجهون المسيحيين في غزواتهم.
ثم يعزوا القرآن هذا الاختلاف في السلوك الفردي والاجتماعي إلى وجود خصائص في المسيحيين المعاصرين لرسول الله صلىاللهعليهوآله لم تكن موجودة في اليهود :
فأوّلاً كان بينهم نفر من العلماء لم يسعوا ـ كما فعل علماء اليهود ـ إلى إخفاء الحقائق (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ) (١).
ثم كان منهم جمع من الزهاد الذين تركوا الدنيا ، وهي النقطة المناقضة لما كان يفعله بخلاء اليهود الجشعين.
وعلى الرغم من كل انحرافاتهم كانوا على مستوى أرفع بكثير من مستوى اليهود : (وَرُهْبَانًا).
وكثير منهم كانوا يخضعون للحق ، ولم يتكبّروا ، في حين كان معظم اليهود يرون أنّهم عنصر أرفع ، فرفضوا قبول الإسلام الذي لم يأت على يد عنصر يهودي : (وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).
ثم إنّ نفراً منهم كانوا إذا استمعوا لآيات من القرآن تنحدر دموعهم مثل من صحب جعفر من الأحباش لأنّهم يعرفون الحق إذا سمعوه : (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ).
__________________
(١) «القسيس» : تعريب لكلمة سريانية تعني الزعيم والموجّه الديني عند المسيحيين.