سبب النّزول
روي في تفسير مجمع البيان أنّ الأكل كان محرّماً في شهر رمضان بالليل بعد النوم ، وكان النكاح حراماً بالليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله يقال له مطعم بن جيبر ... شيخاً ضعيفاً ، وكان صائماً ، فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر ، فلمّا انتبه قال لأهله : قد حُرّم عليّ الأكل في هذه الليلة. فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فاغمي عليه ، فرآه رسول الله صلىاللهعليهوآله فرقّ له.
وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرّاً في شهر رمضان ، فأنزل الله هذه الآية فأحلّ النكاح بالليل في شهر رمضان ، والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر.
التّفسير
رخصة في أحكام الصوم : مر بنا في سبب نزول الآية أنّ النكاح كان محرماً في ليالي شهر رمضان إضافة إلى نهاره ، وأنّ الأكل والشرب كانا محرمين في الليل أيضاً بعد النوم ، ولعل ذلك كان اختباراً للجيل الإسلامي الأول وإعداداً له كي يتقبل أحكام الصوم الثابتة. الآية الكريمة تتضمن أربعة أحكام إسلامية في حقل الصوم والإعتكاف. تقول أوّلاً : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) (١).
ثم تذكر الآية سبب الحكم فتقول : (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ).
واللباس يحفظ الجسم من الحر والبرد وأنواع الأخطار من جهة ، ويستر عيوب الجسم من جهة اخرى ، أضف إلى أنّه زينة للإنسان ، وتشبيه الزوج باللباس يشمل كل هذه الجوانب.
ثم يبين القرآن سبب تغيير هذا القانون الإلهي ويقول : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ). فالله سبحانه وسّع عليكم الأمر وخففه ، وجعل فيه رخصة بلطفه ورحمته ، كي لا تتلوثوا بالذنوب.
(فَالنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ).
ثم تبين الآية الحكم الثاني وتقول : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ).
وتبين الآية الحكم الثالث : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصّيَامَ إِلَى الَّيلِ).
__________________
(١) «الرفث» : هو الحديث المكشوف عن المسائل الجنسية ، واستعير لمعنى الجماع كما في الآية.