الجواب يتضح لو عرفنا أنّ كل عمل ينبغي أن يبدأ بالإستمداد من صفة تعم آثارها جميع الكون وتشمل كل الموجودات ، وتنقذ المستغيثين في اللحظات الحساسة.
هذه حقيقة يوضحها القرآن في الآية (١٥٦) من سورة الأعراف إذ يقول : (وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ).
ومن جانب آخر نرى الأنبياء وأتباعهم يتوسلون برحمة الله في المواقف الشديدة الحاسمة. فقوم موسى تضرعوا إلى الله أن ينقذهم من تجبّر فرعون وظلمه ، وتوسلوا إليه برحمته فقالوا : (وَنَجّنَا بِرَحْمَتِكَ) (١).
وبشأن هود وقومه ، يقول القرآن : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنَّا) (٢).
فإنّ أفعال الله تقوم أساساً على الرحمة ، والعقاب له طابع استثنائي لا ينزل إلّافي ظروف خاصة ، كما نقرأ في دعاء الجوشن الكبير المروية عن آل بيت رسول الله : «يا من سبقت رحمتُه غضبَه».
فالمجموعة البشرية السائرة على طريق الله ينبغي أن تقيم نظام حياتها على هذا الأساس أيضاً ، وأن تقرن مواقفها بالرحمة والمحبة ، وأن تترك العنف إلى المواضع الضرورية.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٢)
العالم مغمور في رحمته تعالى : بعد البسملة ، يأتي أول واجبات العباد وهو أن يستحضر دوماً مبدأ عالم الوجود ، ونعمه اللامتناهية ، هذه النعم التي تحيطنا وتغمر وجودنا ، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة ، وتدفعنا على طريق العبودية من جهة اخرى.
وعندما نقول أنّ النعم تشكّل دافعاً ومحرّكاً على طريق العبودية ، لأنّ الإنسان مفطور على البحث عن صاحب النعمة حينما تصله النعمة ، ومفطور على أن يشكر المنعم على إنعامه.
من هنا فإنّ علماء الكلام (علماء العقائد) يتطرقون في بحوثهم الأولية لهذا العلم إلى «وجوب شكر المنعم» باعتباره أمراً فطرياً وعقلياً دافعاً إلى معرفة الله سبحانه.
وإنّما قلنا إنّ النعم تهدينا إلى معرفة الله ، لأنّ أفضل طريق وأشمل سبيل لمعرفته سبحانه ، دراسة أسرار الخليقة ، وخاصة ما يرتبط بوجود النعم في حياة الإنسان.
__________________
(١) سورة يونس / ٨٦.
(٢) سورة الأعراف / ٧٢.