التقدير فى الآيات : «سنة الله التى خلت فى الذين خلوا» ، فذكر فى كل سورة الطّرف الذى هو أعم ، واكتفى به عن الطّرف الآخر.
والمراد بما فى أول هذه السورة النكاح : نزلت حين عيّروا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بنكاح زينب. فأنزل الله : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) ، أى النكاح سنة فى النبيين على العموم.
وكانت لداود تسع وتسعون (١) : فضم إليهن المرأة التى خطبها «أوريا» ، وولدت سليمان عليهالسلام. والمراد بما فى آخر السورة (٢) القتل ، نزلت فى المنافقين ، والشاكين والذين فى قلوبهم مرض ، والمرجفين فى المدينة على العموم.
وما فى سورة الفتح يريد به نصرة الله لأنبيائه ، والعموم فى النصرة أبلغ منه (٣) فى النكاح والقتل.
__________________
(١) ما أشار إليه المؤلف ذكره بعض المفسّرين الذين جروا على ذكر ما وصل إليهم من الأخبار والروايات الموقوفة على بعض الصحابة كابن عباس رضى الله تعالى عنهما ، والتابعين كمجاهد ووهب بن منبه وكعب الأحبار وغيرهم ، ومنها ما هو مرفوع إلى المعصوم صلوات الله وسلامه عليه. وأخرج بعض هذه الروايات الحكيم الترمذى فى نوادره ، وابن جرير فى تفسيره ، وابن أبى حاتم ، والبغوى ، وملخص ما قالوه : أن داود عليهالسلام مال إلى زوجة أحد ضباط جيشه ويدعى أوريا الذى كان متغيبا فى الغزو. فدبّر خطة يتخلص بها منه. فأرسل إلى قائد جيوشه ليجعل أوريا ضمن حملة التابوت ، وكانت التقاليد تقضى بأن هؤلاء يصمدون فى الحرب إلى أن يفتح على الجيش أو يستشهدوا ، فنجا أوريا مرتين واستشهد فى الثالثة ، وحينئذ يزعمون أنه عليهالسلام ـ حاشاه ـ تقدم ليخطب أرملة أوريا وبينما كان داود عليهالسلام جالسا فى محرابه إذ تسوره خصمان قصداه ليحكم بينهما ـ وكانا من الملائكة ـ ورمزا فى قصتهما إلى النساء بالنعاج ، وبعد أن حكم داود فيها ، أخبراه بأن المراد بالقصة : النساء لا النعاج ، وطلبا منه أن يبين لهما جزاء المعتدى ، فأشار بقطع رأسه أو أن تقطع أوصاله جزاء خيانته ومكره. ثم فهم أن المقصود هو نفسه.
وهى قصة تمجها الأسماع لمخالفتها للكتاب والسنة وتناقضها مع عصمة الأنبياء ، وكيف تروى مثل هذه القصة فيمن قال الحق تبارك وتعالى فيه : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) سورة ص الآية : ٢٦.
قال القاضى عياض : ليس فى قصة داود وأوريا خبر ثابت.
وقال ابن كثير فى هذه القصة : لم يثبت فيها عن المعصوم صلىاللهعليهوآلهوسلم حديث يجب اتباعه ، ولم تكن هناك حاجة إلى الاستشهاد بمثل هذه القصة ، خاصة وأن الكلام قد تم بعد قوله : [النكاح سنة فى النبيين على العموم].
وقد بينا حقيقة قصة الخصم الذين تسوّروا المحراب ، ولما ذا خر داود راكعا وأناب ـ ذلك فى قصة داود عليهالسلام ـ فى كتاب مستقل ضمن سلسلة قصص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
(٢) يعنى قوله تعالى فى سورة الأحزاب : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً. سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) الآيات : ٦٠ ـ ٦٢.
(٣) كذا فى «د. م» ٦٤ / أو «ز ـ ٢» ٣٦ / ب ، وفى الأصلية : [سنة].