بقوله : (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). فبالغ سبحانه فى الإجابة وقال : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) ؛ لأن عندنا حيث جاء دل على أن الله سبحانه تولى ذلك من غير واسطة.
وفى ص لما بدأ القصة بقوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا) (١) ، ختم بقوله : (مِنَّا) ليكون آخر الآية موافقا لأول الآية (٢).
* قوله تعالى فى هذه السورة : (فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا) (٣). وفى (المؤمنون) : (فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا) (٤) ؛ لأن الخطاب فى هذه السورة للكفار فأمرهم بالعبادة التى هى التوحيد ، ثم قال : (وَتَقَطَّعُوا) بالواو لأن التقطع قد كان منهم قبل هذا القول لهم. ومن جعله خطابا للمؤمنين فمعناه : دوموا على الطاعة.
وفى (المؤمنون) الخطاب للنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين ، بدليل قوله قبله :
__________________
(١) سورة ص (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ. وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) الآيات : ٤١ ـ ٤٣.
(٢) فى البصائر : [ليكون آخر الآية ملتئما بالأول] ١ / ٣٢١.
قلت : لما كان من مقاصد سورة [ص] بيان أن جند الله تعالى هم الغالبون وإن تأخر نصرهم ، وهذا التأخير رحمة بالمرسل إليهم ، إذ يمد لهم فى الوقت ليدخلوا فى الإسلام إلا أن المصممين على الكفر منهم لا يزيدهم هذا التأخير إلا اعتقادا فى ضعف المرسلين. ولا يقاس كذلك انتصار المرسلين بانتصارات الذين جعلوا دنياهم أكبر همهم ومبلغ علمهم فإن انتصارات المرسلين نعمة كبرى من نعم المتفرد بالقدرة والعظمة والرحمة بعباده ، إذ هو انتصار لمنهج الله تعالى على منهج البشر وانتصار للنور على الظلمات والخير على الشر والصلاح على الفساد.
لهذا اقتضت حكمته البالغة سبحانه جعل صفوته : أولا : ضعفاء ؛ ليكون نصرهم حينئذ أدل على كمال قدرته جل وعز ؛ فلو كانوا أقوياء ، لأسند الدين فى قلوبهم مرض النصر إلى قدرتهم لا إلى قدرة ربهم جل وعلا ؛ لذا اتصلت عطاياه جل وعز لأصفيائه فى هذه السورة بنون العظمة تنبيها إلى عظم قدرها وشرفها ودوام العناية بالمنعم عليهم بها. ولما كان المرسلون هم قمة المستحقين لهذا العطاء فقد قص سبحانه فى السورة قصص طائفة من المرسلين وذكر ما واجههم من المشاق فصبروا حتى تداركهم الغوث الإلهى فآل أمرهم إلى أكمل حال واتجه الخطاب فى كل قصة إلى مولانا سيد العالمين صلوات الله وسلامه عليه ؛ ليحصل له صلىاللهعليهوآلهوسلم الانشراح الكامل والتثبيت الشامل وليعلم العالمين أن عاقبة الذين آمنوا به واتبعوا النور الذى أنزل معه هى أحسن عاقبة رحمة من الله تعالى وفضلا.
(٣) سورة الأنبياء (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ. وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) الآيتان : ٩٢ ، ٩٣.
(٤) سورة المؤمنون (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الآيتان ٥٢ ، ٥٣.