وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) وقع بعد قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) (١) فختم بما بدأ.
* قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٢) ، وفي القلم : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٣) بزيادة «الباء» ولفظ الماضى ؛ لأن إثبات الباء هو الأصل كما في «القلم» وغيرها من السور (٤) ، لأن المعنى لا يعمل في المفعول به فقوّى بالباء. وحيث حذفت (٥) أضمر فعل يعمل فيما بعده.
وخصت هذه السورة بالحذف موافقة لقوله : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٦) ، وعدل إلى لفظ المستقبل لأن الياء إذا حذفت التبس اللفظ بالإضافة ـ تعالى الله عن ذلك ـ فنبّه بلفظ المستقبل ؛ على قطع الإضافة (٧) لأن أكثر ما يستعمل (أفعل من) يستعمل مع الماضى نحو : أعلم من دبّ ودرج ، وأحسن من قام وقعد ، وأفضل من اعتمر وحج.
فتنبّه فإنه من أسرار القرآن.
* قوله تعالى : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٨) بالفاء حيث وقع. وفي هود (٩) : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (١٠) بغير فاء ؛ لأنه تقدم في هذه السورة وغيرها (قل) فأمرهم أمر وعيد بقوله :
__________________
(١) سورة الأنعام الآية : ١٣٦.
(٢) سورة الأنعام الآية : ١١٧.
(٣) سورة القلم الآية : ٧.
(٤) سورة النحل (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) من الآية : ١٢٥ ، وفي سورة النجم (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) من الآية : ٣٠.
(٥) كذا في البصائر ١ / ١٩٨ ، وفي الأصلية : [حذف] ... وخص.
(٦) سورة الأنعام من الآية : ١٢٤.
قال البيضاوى في أنوار التنزيل ص ١٨٩ : [إن ربك هو أعلم بالفريقين. ومن موصولة أو موصوفة في محل نصب بفعل دل عليه أعلم ... أو استفهامية مرفوعة بالابتداء والخبر «يضل» ... وقرئ : «من يضل» أى يضل الله فتكون «من» منصوبة بالفعل المقدر أو مجرورة بإضافة أعلم إليه]. وقال القرطبى : [قال بعض الناس : إن أعلم هنا بمعنى ويعلم وهذا لا حجة فيه لأنه لا يطابق (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ؛ ولأنه يحتمل أن يكون على أصله]. الجامع لأحكام القرآن ٧ / ٧٢.
(٧) لأن [أعلم من ضل] تفيد [أعلم الضالين].
(٨) الأنعام (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الآية : ١٣٥.
(٩) ذكرت [سوف] فى سبعة مواضع : النساء : ٥٦ ، ١٥٢ ، هود : ٩٣ ، يوسف : ٩٨ ، النجم : ٤٠ ، التكاثر ٣ ، ٤ ، وقد ذكرناها لأن العبارة قد توهم أنها لم تذكر إلا في سورة هود.
(١٠) سورة هود (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) الآية : ٩٣.