وهذا جواب التذكير والتأنيث (١) لا جواب التخصيص ، وإنما الكلام وقع فى التخصيص ، وهل يجوز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر أم لا؟
فالجواب أن يقال : فى هذه السورة إخبار قبل الفعل فوحّده. وفى المائدة خطاب من الله له يوم (٢) القيامة ، وقد سبق من عيسى عليه [السلام] (٣) ذلك الفعل ثلاث مرات (٤) ، والطير صالح للواحد (٥) وصالح للجمع.
* قوله تعالى : (بِإِذْنِ اللهِ) ذكر فى هذه السورة مرتين (٦). وقال فى المائدة : (بِإِذْنِي) أربع مرات (٧) ؛ لأن ما فى هذه السورة من كلام عيسى. فما تصوّر (٨) أن يكون من فعل البشر أضافه (٩) إلى نفسه ، وهو الخلق الذى معناه التقدير ، والنفخ الذى هو / إخراج الريح من الفم ـ وما لم يتصور أضافه (١٠) إلى الله وهو قوله : (فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) مما [لا] (١١) يكون فى طوق البشر ؛ فإن الأكمه (١٢) عند بعض المفسّرين : «الأعمش» ، وعند بعضهم : «الأعشى» ، وعند بعضهم : «الذى يولد أعمى» وإحياء الموتى من فعل الله فأضافه إليه.
__________________
(١) قال فى روح المعانى عند الكلام على قوله تعالى : (فَأَنْفُخُ فِيهِ) [الضمير للهيئة المقدرة فى نظم الكلام لكن بمعنى الشيء المهيأ لا بمعنى العرض القائم به ، إذ لا يصح أن يكون ذلك محلا للنفخ. وذكّر الضمير هنا مراعاة للمعنى ، كما أنت فى المائدة مراعاة للفظ ، قيل : وصح هذا لعدم الالتباس]. روح المعانى ٣ / ٢٤٢.
(٢) كذا فى البصائر ص ١٦٣ ، وفى الأصلية : [فى].
(٣) ز. فى بعض النسخ مثل البصائر ص ١٦٣.
(٤) فى البصائر [الفعل مرات] ١ / ١٦٣ ، وكذا فى «ق» ١٠ / ب ، «د. م» ١١ / ب.
(٥) قرأ يعقوب وأبو جعفر ونافع : [طائرا].
(٦) يعنى فى الآية ٤٩ مرتين.
(٧) يعنى تكرر فى الآية ١١٠.
(٨) فى بعض النسخ : [يتصور].
(٩) كذا فى «د. م» والبصائر وفى الأصلية : [أضاف].
(١٠) كذا فى البصائر ١ / ١٦٣ ، وفى الأصلية : [أضاف].
(١١) زيادة فى البصائر ص ١٦٣ وبدونها لا يستقيم المعنى.
(١٢) قال عكرمة : الأكمه هو الأعشى ، ومجاهد : هو الذى يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل. وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس : الأكمه : هو الذى ولد أعمى ، وابن أبى حاتم من طريق عطاء عنه : أنه الممسوح العين الذى لم يشق بصره ولم تخلق له حدقة ، قال الطبرى : [فأما ما قاله عكرمة من أن الكمه العشى ، وما قاله مجاهد من أنه سوء البصر بالليل فلا معنى لهما ؛ لأنّ الله لا يحتج على خلقه بحجة تكون لهم السبيل إلى معارضة فيها. ولو كان مما احتج به عيسى على بنى إسرائيل فى نبوته أنه يبرئ الأعمش أو الذى يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل لقدروا على معارضته بأن يقولوا : وما فى هذا لك من الحجة؟ وفينا من يعالج ذلك وليسوا لله بأنبياء ولا رسلا؟ ففي ذلك دلالة بينة على صحة ما قلنا من أن الأكمه هو الأعمى الذى لا يبصر شيئا لا ليلا ولا نهارا ، وهو كما قال قتادة : من أنه المولود كذلك أشبه لأن علاج مثل ذلك لا يدعيه أحد من البشر إلا من أعطاه الله مثل الذى أعطى عيسى]. ا. ه.
تفسير الطبرى ٦ / ٤٣٠.