وليس ل (ما) شىء من ذلك : لأنه يتنكّر مرة ويتعرف أخرى ، ولا يقع وصفا لأسماء الإشارة ، ولا يدخله الألف واللام ، ولا يثنى ولا يجمع.
وخصّ الثانى ب (ما) لأن المعنى : من بعد ما جاءك من العلم بأن قبلة الله هى الكعبة ، وذلك قليل من كثير من العلم. وزيد معه (من) التى لابتداء الغاية لأن تقديره : من الوقت الذى جاءك العلم فيه بالقبلة ؛ لأن القبلة الأولى (١) نسخت وليس الأول موقتا (٢) بوقت.
وقال فى سورة الرعد : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (٣) : فعبر بلفظ (ما) ولم يزد «من» : لأن العلم هاهنا هو الحكم العربى : أى القرآن وكان بعضا من الأول. ولم يزد فيه (٤) «من» / لأنه غير موقت.
وقريب من معنى القبلة ما فى آل عمران (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (٥) فلهذا جاء بلفظ (ما) وزيد فيه «من» (٦).
* قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي) (٧) : هذه الآية والتى قبلها متكررتان. وإنما كررتا (٨) لأن كل واحدة منهما صادفت (٩) معصية تقتضى تنبيها ووعظا ، ولأن كل واحدة منهما وقعت فى غير وقت الأخرى (١٠).
__________________
(١) كذا فى البصائر ١ / ١٤٧ ، وفى الأصلية : [التى] وتصحيفه ظاهر.
(٢) وفى بعض النسخ : [وليست الأولى موقتة] ... إلخ.
(٣) سورة الرعد (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) الآية : ٣٧.
(٤) زيادة فى «ز ـ ٢».
(٥) سورة آل عمران (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) الآية : ٦١.
(٦) عبارة الإمام السيوطى فيما يختص بهذه الآية الكريمة (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) مطابقة لعبارة الكرمانى انظر : معترك الأقران القسم الأول ص ٩٠ ، وقد أشرنا إلى ذلك فى مقدمة التحقيق.
(٧) سنام القرآن (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) الآيتان : ٤٧ ، ٤٨. وفى نفس السورة بعد ذلك : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) الآيتان : ١٢٢ ، ١٢٣.
(٨) كذا فى البصائر ١ / ١٤٧ ، وفى الأصلية : [كررت].
(٩) كذا فى البصائر ١ / ١٤٧ ، وفى الأصلية : [صادف] والأول أليق.
(١٠) المعصية الأولى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ، والثانية : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) من الآيتين : ٤٤ و ١٢٠ على التوالى من سورة البقرة.