* قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) (١). وقال فى الحج (وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى) (٢) وقال فى المائدة : (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) (٣) ؛ لأن النصارى مقدمون (٤) على الصابئين فى الرتبة ؛ لأنهم أهل كتاب ، فقدمهم فى البقرة ، والصابئون مقدمون (٥) على النصارى فى الزمان لأنهم كانوا قبلهم فقدّمهم فى الحج. وراعى فى المائدة المعنيين فقدمهم فى اللفظ وأخرهم فى التقدير ؛ لأن تقديره فى المائدة : والصابئون كذلك ـ ومثله قوله الشاعر :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنى وقيّار بها لغريب (٦) |
أراد : فإنى لغريب بها وقيّار كذلك. فتأمل فيها وفى أمثالها تعرف (٧) إعجاز القرآن.
__________________
(١) صرحت هذه الآية الكريمة بأن الإسلام هو الذى قرر الإيمان المنجى لصاحبه : وهو الإيمان بالله عزوجل على الوجه الخالص من الشرك وشوائب النقص التى توجب لمعتقدها الخلود فى العذاب ، فلا قبول لإيمان لا يوافق الإسلام.
[وقد أساء فهم هذه الآية بعض الملحدين فزعموا أنه يمكن تحقيق الإيمان من هذه الفرق غير المسلمة مع بقائها على دينها. وهذا الزعم باطل ؛ لأنها جميعا كافرة فى نظر الإسلام لما تقدم ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البينة الآية : ٦ ، وغير ذلك من النصوص. وبما أن الإيمان لا يتحقق إلا بالإيمان بالله وجميع رسله وفيهم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) سورة النساء الآية : ١٥١ ، فلهذا تحدد الإيمان المطلوب فى الآية وهو الإيمان بالدين الإسلامى فلا بد من اعتناقه] أه. من التفسير الوسيط ١ / ١٢١.
فليحذر كل متهجم على تأويل آيات كتاب الله عزوجل دون إلمام منه بأصول التفسير وقواعده. فإن القرآن العظيم يفسّر بعضه بعضا ، وتبينه السنة المشرفة. ومن غاب عنه شىء جهل تفسير ما تعلق به فضلّ وأضل ، وكان ممن قال فى كتاب الله تعالى بغير علم ولا برهان.
(٢) سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الآية : ١٧.
(٣) سورة المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) الآية : ٦٩.
(٤) كذا فى البصائر ١ / ١٤٤ ، وفى الأصلية : [مقدم].
(٥) مثل الحاشية السابقة.
(٦) البيت لضابئ البرجمى ، وكان قد هم بقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه فأمر باعتقاله.
وقيّار اسم لرجل أو فرس أو جمل.
(٧) فى البصائر ١ / ١٤٥ : [يظهر لك] ، والقراءة تصح بهما.