وقالت النصارى : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (١) ، (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) (٢). وقال المشركون : الملائكة بنات الله ، والأصنام شركاؤه. وقيل : يؤذونه : يلحدون فى أسمائه وصفاته. ويؤذون رسول الله ، حين شج وجهه ، وكسرت رباعيته ، وقيل له : هو ساحر وشاعر ومجنون. أو : بترك سنّته ومخالفة شريعته. ويحتمل أن يكون المراد يؤذون رسول الله فقط بالتنقيص ، أو بالتعرض لنسائه. وذكر اسم الله للتشريف. (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي : أبعدهم من رحمته فى الدارين (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) يهينهم ويخزيهم فى النار.
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) ؛ بغير جناية يستحقون بها الإيذاء ، (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً) ؛ كذبا (وَإِثْماً مُبِيناً) ؛ ظاهرا ، وإنما أطلق فى إيذاء الله ورسوله ، وقيّد إيذاء المؤمنين والمؤمنات ؛ لأن إيذاء الله ورسوله لا يكون إلا بغير حق ، وأما إيذاء المؤمنين فمنه ما يكون بحق ، كالحدّ والتعزير ، ومنه باطل. وقيل : نزلت فى ناس من المنافقين ، كانوا يؤذون عليّا رضي الله عنه ، ويسمعونه ، وقيل : فى زناة المدينة ، كانوا يمشون فى طرق المدينة ، ويتبعون النساء إذا تبرزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيغمزون المرأة ، فإن سكتت اتبعوها ، وإن زجرتهم انتهوا (٣). وعن الفضيل : لا يحلّ أن تؤذى كلبا أو خنزيرا بغير حق ، فكيف بالمؤمنين؟. ه.
الإشارة : إذاية الله ورسوله هى إذاية أوليائه ، ونقله الثعلبي عن أهل المعاني ، فقال : فأراد الله تعالى المبالغة فى النهى عن أذى أوليائه ، فجعل أذاهم أذاه. ه. ويؤيده الحديث القدسي : «من آذى لى وليّا فقد بارزني بالمحاربة» (٤) ، أو كما سبحانه. وإذاية المؤمنين كثيرة ، تكون باللسان وبغيره ، وقد قالوا : البر لا يؤذى الذر. ومن أركان التصوف : كف الأذى ، وحمل الجفا ، وشهود الصفا ، ورمى الدنيا بالقفا. وبالله التوفيق.
ثم أمر بتمييز الحرائر من الإماء فى اللباس ، فقال :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩))
__________________
(١) كما ذكرت الآية ٣٠ من سورة التوبة.
(٢) كما ذكرت الآية ٧٣ من سورة المائدة.
(٣) ذكره الواحدي فى أسباب النزول (ص ٣٧٧) والبغوي فى التفسير (٦ / ٣٧٦) عن الضحاك ، والسدى ، والكلبي.
(٤) أخرجه البخاري فى (الرقاق ، باب : التواضع ، ح ٦٥٠٢). من حديث أبى هريرة بلفظ : «من عادى لى وليّا فقد آذنته بالحرب ..» الحديث وأخرجه الإمام أحمد فى المسند (٦ / ٢٥٦) من حديث السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ بلفظ : «من أذل لى وليّا فقد استحل محاربتى ...» الحديث.