ومنها : ما فيها من سير الاعتدال ، الجامع لكمال العبد وتكميله ، ففى الصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر الله ورسوله ، ولا كذلك عكسه ، فلذلك كانت المثابرة على الأذكار والدوام عليها يحصل به الانحراف ، وتكسب نورانية تحرق الأوصاف ، وتثير وهجا وحرارة فى الطباع ، والصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم تذهب وهج الطّباع ، وتقوى النفوس ؛ لأنها كالماء البارد ، فكانت تقوم مقام شيخ التربية. انتهى كلامه.
قلت : والحق الذي لا غبار عليه : أن الصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم ، والإكثار منها ، تدلّ صاحبها على من يأخذ بيده ، وتوصله إلى شيخ التربية ، الذي هو خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إن كان صادق الطلب ، وأما كونها تقوم مقام الشيخ فى دخول مقام الفناء والبقاء ، حتى تعتدل حقيقته وشريعته فلا ؛ إذ لا تنقطع رعونات النفوس إلا بآمر وناه من غيره ، يكون عالما بدسائس النفوس وخدعها ، وغاية ما توصل إليه الصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ إن لم يظفر بالشيخ ـ الفناء فى الصفات ، وينال مقام الصلاح الأكبر ، ويظهر له كرامات وخوارق ، ويكون من أرباب الأحوال ، وإن وصل إلى مقام الفناء تكون شريعته أكبر من حقيقته.
هذا ما ذقناه ، وشهدناه ، وسمعناه من أشياخنا ، والطريق التي أدركناهم يستعملونها ، وأخذناها منهم ، أنهم يأمرون المريد إن رأوه أهلا للتربية أن يلتزم الاسم المفرد ، ويفنى فيه ، حتى تنهدم به عوالمه ، فإذا تحقق فناؤه وغاب عن نفسه ورسمه ، ردوه إلى مقام البقاء ، وحينئذ يأمرونه بالصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لتكون صلاته عليه كاملة ، يصلى على روحه وسره بلا حجاب ، ويشاهده فى كل ساعة كما يشاهدونه. وبالله التوفيق.
ثم ذكر أهل الغفلة والبعد ، فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بارتكابهم ما يكرهانه من الكفر والمعاصي والبدع. وقال ابن عباس : هم اليهود والنصارى والمشركون. فقالت اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) (١) ، (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) (٢)
__________________
(١) كما ذكرت الآية ٦٤ من سورة المائدة.
(٢) كما ذكرت الآية ١٨١ من سورة آل عمران