جاؤُكُمْ) هو بدل من : (إذ جاءتكم) ، (مِنْ فَوْقِكُمْ) ؛ من أعلى الوادي ، من قبل المشرق. وهم بنو غطفان. (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ؛ من أسفل الوادي من قبل المغرب ، وهم قريش. (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) ؛ مالت عن مستوى نظرها ؛ حيرة وشخوصا. أو : مالت إلى عدوها ؛ لشدة الخوف ، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ؛ رعبا. والحنجرة : رأس الغلصمة ، وهى منتهى الحلقوم ، الذي هو مدخل الطعام والشراب. قالوا : إذا انتفخت الرئة ، من شدة الفزع والغضب ، ربت ، وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة. وقيل : هو مثل فى اضطراب القلوب ، وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة.
روى أن المسلمين قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل من شىء نقوله ، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال : «نعم ، قولوا : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا» (١).
(وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) ؛ الأنواع من الظن. والمؤمنون أصناف ؛ منهم الأقوياء ، ومنهم الضعفاء ، ومنهم المنافقون. فظن الأقوياء ، المخلصون ، الثبت القلوب ؛ أن ينجز الله وعده فى إعلاء دينه ، ويمتحنهم ، فخافوا الزلل وضعف الاحتمال ، وأما الآخرون ؛ فظنوا ما حكى عنهم ، وهم الذين زاغت أبصارهم ، وبلغت قلوبهم الحناجر ، دون الأقوياء رضى الله عنهم ، وقرأ أبو عمرو وحمزة : الظنون ؛ بغير ألف ، وهو القياس. وبالألف فيهما : نافع ، والشامي ، وشعبة ؛ إجراء للوصل مجرى الوقف. والمكىّ ، وعلىّ ، وحفص : بالألف فى الوقف. ومثله : (الرَّسُولَا) (٢) و (السبيلا) (٣) ، زادوها فى الفاصلة ، كما زادوها فى القافية ، كقوله :
«أقلّى اللّوم ، عاذل ؛ والعتابا» (٤)
وهو فى الإمام : بالألف.
(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي : اختبروا ، فظهر المخلص من المنافق ، والثابت من المزلزل ، (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) ؛ وحركوا ، بالخوف ، تحريكا شديدا.
الإشارة : يا أيها الذين آمنوا إيمان الخصوص ؛ اذكروا نعمة الله عليكم بالتأييد والنصر ، فحين توجّهتم إلىّ ، ودخلتم فى طريق ولايتي ، رفضتكم الناس ، ونكرتكم ، ورمتكم عن قوس واحدة ، فجاءتكم جنود الخواطر والوساوس
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٣) عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) من الآية ٦٦ من سورة الأحزاب.
(٣) من الآية ٦٧ من سورة الأحزاب. وانظر الحجة لأبى على الفارسي (٥ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩).
(٤) صدر بيت لجرير ، وعجزه : وقولى ـ إن أصبت ـ لقد أصابا. انظر : معانى القرآن للزجاج (٤ / ٢١٨).