وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦))
قلت : خبر «إن» : محذوف ، يدل عليه ما بعده ، أي : الذين كفروا نذيقهم من عذاب أليم ؛ لأنه إذا كان الملحد فى الحرم معذّبا فالجامع بين الكفر والصد أولى. ومن رفع «سواء» جعله خبرا مقدما. و «العاكف» : مبتدأ. ومن نصبه : جعله مفعول «جعل» ، و «العاكف» فاعل به.
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، أي : واستمروا على الصد ، ولذلك حسن عطفه على الماضي ، (وَ) يصدون أيضا عن (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) والدخول فيه ، كأهل مكة مع المسلمين ، (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ) أي : مقاما ومسكنا للناس ، كائنا من كان ، لا فرق فيه بين مكى وآفاقى ، وضعيف وقوى ، حاضر وباد. فإن أريد بالمسجد الحرام «مكة» ، ففيه دليل على أن دور مكة لا تباع ، وأن الناس فيها سواء ، فيجوز للقادم أن ينزل منها حيث شاء ، وليس لأحد فيها ملك. وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك وغيره : ليست الدور فيها كالمسجد ، بل هى متملّكة. وإن أريد به البيت كان نصا فى إباحته لجميع المؤمنين. وهو مجمع عليه.
(سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ) أي : مستو المقيم فيه (وَالْبادِ) ، أي : المسافر من أهل البادية ، (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ) أي : فى المسجد ، إحداث شىء (بِإِلْحادٍ) أي : بسبب ميل عن القصد ، (بِظُلْمٍ) ، وهما حالان مترادفان ، أي : ومن يرد فيه إحداث شىء ؛ مائلا عن الحق ، ظالما فيه ، (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) فى الآخرة. وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك.
(وَ) اذكر يا محمد (إِذْ بَوَّأْنا) : حين هيأنا (لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) وعيناه له ، حتى بناه فى مكانه مسامتا للبيت المعمور ، حيث كان بناه آدم عليهالسلام ، وقد كان رفع إلى السماء الرابعة ، أيام الطوفان ، وكان من ياقوتة حمراء ، فأعلم الله إبراهيم مكانه ، بريح أرسلها ، يقال لها : الخجوح ، فكنست مكان البيت ، وقيل : سحابة على قدر البيت ، وقيل : كلمته ، وقالت له : ابن على قدرى. ه. فبناه على أساسه القديم (١) ، وفى ابن حجر : أنه جعل طوله فى السماء تسعة أذرع ، ودوره فى الأرض ثلاثين ذراعا بذراعه. وأدخل الحجر فى البيت ، وكان قبل ذلك لغنم
__________________
(١) راجع هذه الأقوال فى تفسير الطبري (١٧ / ١٤٣) ، والبغوي (٥ / ٣٧٨).