الربوبية ، أي :
أنشأهن بما فيهن من المخلوقات ، التي من جملتها أنتم وآباؤكم وما تعبدونه ، من غير
مثال يحتذيه ، ولا قانون ينتحيه. وقيل : الضمير للتماثيل ، وهو أدخل فى تضليلهم ،
وأظهر فى إلزام الحجة عليهم ؛ لما فيه من التصريح المغني عن التأمل فى كون ما
يعبدونه من المخلوقات ، والأول أقرب.
ثم قال عليهالسلام : (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) الذي ذكرت : من كون ربكم ربّ السماوات والأرض ، دون ما
عداه ، كائنا ما كان ، (مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي : العالمين به على سبيل الحقيقة ، المبرهنين عليه ، فإن
الشاهد على الشيء : من تحققه وبرهن عليه ، كأنه قال : وأنا أعلم ذلك ، وأتحققه ،
وأبرهن عليه ، والله تعالى أعلم.
الإشارة
: زخارف الدنيا
وبهجتها ، من تشييد بناء ، وتزويق سقف وحيطان ، وإنشاء غروس وبساتين ، وجمع أموال
، وتربية جاه ، كلها تماثيل لا حقيقة لها ، فانية لا دوام لها. فمن عكف عليها ،
وأولع بخدمتها وجمعها وتحصيلها ، كان عابدا لها ، فينبغى لذى الرشد والعقل الوافر
، الذي تحرر منها ، أن ينكر عليهم ، ويقول لهم : ما هذه التماثيل التي أنتم لها
عاكفون ، فإن قالوا : وجدنا آباءنا يفعلون هذا ، وعلماءنا مثلنا ، فليقل لهم : لقد
كنتم وآباؤكم وعلماؤكم فى ضلال مبين ، عما كان عليه الأنبياء والأولياء والسلف
الصالح. فإن قالوا : أجادّ أنت أم لا؟ فليقل : بل ربكم الذي ينبغى أن يفرد بالمحبة
والخدمة ، هو رب السماوات والأرض ، لا ما أنتم عليه من محبة الدنيا وبهجتها ، وأنا
على ذلكم من الشاهدين.
ثم ذكر كسره
للأصنام ، وما ترتب عليه ، فقال :
(وَتَاللهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ
جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا
مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا
فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى
أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا
بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا
فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ
فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ
لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ
اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧))
قلت
: (مَنْ فَعَلَ) : استفهام ، وقيل : موصولة ، و (إِنَّهُ) : خبرها ، أي : الذي فعل هذا معدود من الظلمة ، و (يَذْكُرُهُمْ) : إما مفعول ثان لسمع ؛ لتعلقه بالذات ، على قول ، أو صفة
لفتى. و (يُقالُ) : صفة أخرى لفتى. و «إبراهيم» : نائب فاعل يقال.