(جَسَداً) أي : جثة ذات لحم ودم ، أو جسدا من ذهب لا روح فيه ، (لَهُ خُوارٌ) أي : صوت عجل ، (فَقالُوا) أي : السامري ومن افتتن به : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) أي : غفل عنه وذهب يطلبه فى الطور. فقوله تعالى : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ ...) إلخ .. هو من كلام الله تعالى ، حكاية لنتيجة فتنة السامري ، قولا وفعلا ، قصدا إلى زيادة تقريرها ، وتمهيدا للإنكار عليهم ، وليس من كلام المعتذرين ، وإلا لقال : فأخرج لنا .. والله تعالى أعلم.
الإشارة : ينبغى لرئيس القوم ، إذا كان فى سفر ، أن يكون وسطهم ، أو سائقا لهم ، ولا يتقدمهم أو يستعجل لأمر عنهم ، فإن التأنى كله من الله ، والعجلة كلها من الشيطان ، والخير كله فى الاجتماع مع الضعفاء والمساكين ، حتى يكون كأحدهم ، فإن فارقهم ، لأمر مهم ، فليستخلف عليهم من يثق به فى دينه ، وليكن اعتماده فى ذلك على ربه ، ونظره كله إلى رعايته وحفظه. قال الكواشي : عن ابن عطاء : أوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام : أتدري من أين أتيت؟ ـ يعنى فى فتنة قومه ـ قال : لا يا رب ، قال : حين قلت لهارون : اخلفني فى قومى ، أين كنت أنا حين اعتمدت على هارون؟. ه.
فكل فتنة أو ضلال يصيب الفقراء ، فإنما ذلك من عدم الاجتماع مع أهل الفن ، أو قلة الاستماع لهم ، فإن أصابتهم فتنة الأسباب ، والركون إلى شىء من الدنيا فى غيبة الشيخ ، فليرجع إليهم غضبان أسفا ، وليقل لهم : ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ، وهو الفتح الكبير لو صبرتم على السير والتجريد ، أفطال عليكم العهد ، فقد كانت الرجال تمكث فى خدمة الأشياخ العشرين والثلاثين سنة ، أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ، بالإبعاد وإسدال الحجاب ، حيث خالفتم عهود أشياخكم ، فإن اعتذروا فليقبل عذرهم ، وإن ركنوا إلى عبادة شىء من عجل الدنيا فليخرجه من أيديهم ، وليقل : وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ، لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا. وبالله التوفيق.
ثم ذكر الإنكار على عبدة العجل ، فقال :
(أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤))