(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة ، لا عقب الإخبار بالفتنة ، كما يتوهم من قوله تعالى : (غَضْبانَ أَسِفاً) ، فإن كون الرجوع بعد الأربعين أمر مقرر مشهور ، يرفع كون الرجوع عقب الفتنة. والأسف : أشد الغضب ، وقيل : أسفا : حزينا جزعا على ضلال قومه. (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) ؛ بأن يعطيكم التوراة فيها ما فيها من النور والهدى ، (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي : مدة مفارقتى إياكم. والهمزة للإنكار ، والمعطوف محذوف ، أي : أوعدكم ذلك فطال زمان الإنجاز ، فأخطأتم بسببه ، (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ) شديد كائن (مِنْ رَبِّكُمْ) أي : من مالك أمركم ، (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) أي : وعدي إياكم بالثبات على ما أمرتكم به إلى أن أرجع من الميقات ، أو وعدكم إياى بأن تثبتوا على ما أمرتكم به ، على إضافة المصدر إلى فاعله أو مفعوله ، والفاء ، لترتيب ما بعدها ، كأنه قيل : أنسيتم الوعد بطول العهد فأخلفتمونى خطأ (أَمْ أَرَدْتُمْ) حلول الغضب عليكم فأخلفتموه ؛ عمدا.؟
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ) أي : وعدنا إياك بالثبات على ما أمرتنا به ، (بِمَلْكِنا) أي : بسلطاننا وقدرتنا ، ونحن نملك أمرنا. وفيه لغتان : فتح الميم وكسرها. يعنون : لو خلينا وأمورنا ، ولم يسوّل لنا السامرىّ ما سوله ، ما أخلفنا ، ولكن غلبنا على أمرنا ، واستغوانا السامري مع مساعدة الأحوال.
وقال القشيري : أي : لم نكن فى ابتداء حالنا قاصدين إلى ما حصل منّا ، ولا عالمين بما آلت إليه عاقبة أمرنا ، وإنّ الذي حملنا عليه حلىّ القبط ، صاغ السامرىّ منه العجل ، فآل الأمر إلى ما بلغ من الشر ، وكذلك الحرام لا يخلو شؤمه من الفتنة والشر. ه.
وقوله تعالى : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) ، استدراك عما سبق ، واعتذار ببيان منشأ الخطأ ، أي : حملنا أحمالا من حلى القبط ، التي استعرناها منهم ، حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس. وقيل : كانوا استعاروها لعيد كان لهم ، ثم لم يردوها إليهم ، مخافة أن يقفوا على أمرهم. وقيل : لما رمى البحر أجساد القبط ، وكان غالب ثيابهم الذهب والفضة ، التقطها بنو إسرائيل ، فهى زينة القوم التي صيغ منها العجل ، ولعل تسميتها أوزارا ؛ لأنها تبعات وآثام ، حيث لم تحل الغنائم لهم.
(فَقَذَفْناها) أي : فى النار رجاء الخلاص من عقوبتها ، أو قذفناها إلى السامري وألقاها فى النار ، (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) ما كان معه منها كما ألقيناه ، أو ألقى ما كان معه من تراب حافر فرس جبريل ، كان قد صرّه فى عمامته ، وكان ألقى إليه الشيطان : أنه ما خالط شيئا إلا حيى ، فألقاه فى فمه فصار يخور.
روى : أنه قال لهم : إنما تأخر موسى عنكم ، لما معكم من الأوزار ، فالرأى أن نحفر حفرة ويسجر فيها نار ، ونقذف فيها كل ما معنا ، ففعلوا ، (فَأَخْرَجَ لَهُمْ) من ذلك الحلي المذاب (عِجْلاً) أي : صورة عجل