ملّكناك ، «عين» علمناك ، «سين» ؛ ساررناك ، «قاف» ؛ قربناك. فنازعونى فى ذلك ولم يقبلوه ، فقلت : نسير إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ليفصل بيننا ، فسرنا إليه ، فلقينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لنا : الذي قال محمد بن سلطان هو الحق]. وكأنه يشير إلى أنها صفات أفعال.
قال تعالى :
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦))
قلت : (ذِكْرُ) : خبر عن مضمر ، أي : هذا ذكر ، والإشارة للمتلو فى هذه السورة ؛ لأنه باعتبار كونه على جناح الذكر فى حكم الحاضر الشاهد. وقيل : مبتدأ حذف خبره ، أي : فيما يتلى عليك ذكر رحمت ربك. وقيل : خبر عن (كهيعص) ، إذا قلنا ؛ هى اسم للسورة ، أي : المسمى بهذه الحروف ذكر رحمة ربك ، و (عَبْدَهُ) : مفعول لرحمة ربك ، على أنها مفعول لما أضيف إليها ، أو لذكر ، على أنه مصدر أضيف إلى فاعله على الاتساع. ومعنى ذكر الرحمة : بلوغها إليه ، و (زَكَرِيَّا) : بدل منه ، أو عطف بيان ، و (إِذْ نادى) : ظرف لرحمة ، وقيل : لذكر ، على أنه مضاف إلى فاعله ، وقيل : بدل اشتمال من زكريا ، كما فى قوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ ...) (١) ، و (مِنِّي) : حال من العظم ، أي : كائنا منى ، و (شَيْئاً) : تمييز.
يقول الحق جل جلاله : هذا الذي نتلوه عليك فى هذه السورة هو (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا). قال الثعلبي : [فيه تقديم وتأخير]. أي : ذكر ربك عبده زكريا برحمته ، (إِذْ نادى رَبَّهُ) وهو فى محرابه فى طلب الولد (نِداءً خَفِيًّا) : سرا من قومه ، أو فى جوف الليل ، أو مخلصا فيه لم يطلع عليه إلا الله. ولقد راعى عليهالسلام حسن الأدب فى إخفاء دعائه ، فإنه أدخل فى الإخلاص وأبعد من الرياء ، وأقرب إلى الخلاص من كلام الناس ، حيث طلب الولد فى غير إبّانه ومن غائلة مواليه الذين كان يخافهم.
(قالَ) فى دعائه : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أي : ضعف بدني وذهبت قوتى. وإسناد الوهن إلى العظم ؛ لأنه عماد البدن ودعامة الجسد ، فإذا أصابه الضعف والرخاوة أصاب كله ، وإفراده للقصد إلى الجنس المنبئ عن شمول الوهن إلى كل فرد من أفراده. ووهن بدنه عليهالسلام : لكبر سنه ، قيل : كان ابن سبعين ، أو خمسا وسبعين ، وقيل : مائة ، وقيل : أكثر.
__________________
(١) الآية ١٦ من السورة نفسها.