عن الغرض : مال ، ونظيره : زاره ، من الازورار ، أي : الميل. فبينما هما يمشيان ، (فَوَجَدا فِيها جِداراً) ، قال وهب : كان طوله مائة ذراع ، (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أي : يسقط ، استعار الإرادة للمشارفة ؛ للدلالة على المبالغة فى ذلك ، والانقضاض : الإسراع فى السقوط ، وهو انفعال ، من القض ، يقال : قضضته فانقض ، ومنه : انقضاض الطير والكوكب ؛ لسقوطه بسرعة. وقرئ : أن ينقاض ، من انقاضت السنّ : إذا سقطت طولا. (فَأَقامَهُ) قيل : مسحه بيده فقام ، وقيل : نقضه وبناه ، وهو بعيد. (قالَ) له موسى : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) نتعشى به ، وهو تحريض له على أخذ الجعل ، أو تعريض بأنه فضول ، وكأنه لمّا رأى الحرمان ومساس الحاجة كان اشتغاله بذلك فى ذلك الوقت مما لا يعنى ، فلم يتمالك الصبر عليه.
قال ابن التين : إن الثالثة كانت نسيانا ؛ لأنه يبعد الإنكار لأمر مشروع ، وهو الإحسان لمن أساء. ه. وفيه نظر ؛ فقد قال القشيري فى تفسير الآية : لم يقل موسى : إنك ألممت بمحظور ، ولكن قال : لو شئت ، أي : فإن لم تأخذ بسببك فهلا أخذت بسببنا ، فكان أخذ الأجر خيرا من الترك ، ولئن وجب حقّهم فلم أخللت بحقنا؟ ويقال : إنّ سفره ذلك كان سفر تأديب ، فردّ إلى تحمّل المشقة ، وإلّا فهو نسى ، حيث سقى لبنات شعيب ، وكان ما أصابه من التعب والجوع أكثر ، ولكنه كان فى ذلك الوقت محمولا ، وفى هذا الوقت متحمّلا. ه.
قلت : لأن الحق تعالى أراد تأديبه فلم يحمل عنه ، فكان سالكا محضا ، وفى وقت السقي : كان مجذوبا محمولا عنه.
ثم قال القشيري : وكما أن موسى كان يحب صحبة الخضر ؛ لما له فيه من غرض استزادة من العلم ، كان الخضر يحب ترك صحبته ؛ إيثارا للخلوة بالله عنه. ه. قاله فى الحاشية الفاسية.
الإشارة : يؤخذ من خرق السفينة أن المريد لا تفيض عليه العلوم اللدنية والأسرار الربانية حتى يخرق عوائد نفسه ، ويعيب سفينة وجوده ، بتخريب ظاهره ، حتى لا يقبله أحد (١) ، ولا يقبل عليه أحد ، فبذلك يخلو بقلبه ويستقيم على ذكر ربه ، وأما مادام ظاهره متزينا بلباس العوائد ، فلا يطمع فى ورود المواهب والفوائد.
ويؤخذ من قتل الغلام : أنه لا بد من قتل الهوى ، وكل ما فيه حظ للنفس والشيطان ، والطريق فى ذلك أن تنظر ما يثقل على النفس فتحمله لها ، وما يخف عليها فتحجزها عنه ، حتى لا يثقل عليها شىء من الحق. ويؤخذ من إقامة الجدار رسم الشرائع ؛ قياما بآداب العبودية ، وصونا لكنز أسرار الربوبية. ويؤخذ منه أيضا : الإحسان لمن أساء إليه ، فإن أهل القرية أساءوا ؛ بترك ضيافة الخضر ، فقابلهم بالإحسان ؛ حيث أقام جدارهم. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) فى هذا الكلام نظر.