(قالَ) موسى عليهالسلام فى اعتراضه : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) (١) : طاهرة من الذنوب ، وقرئ بغير ألف ؛ مبالغة ، (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي : بغير قتل نفس محرمة ، فيكون قصاصا. وتخصيص نفى هذا القبيح بالذكر من بين سائر القبيحات من الكفر بعد الإيمان ، والزنا بعد إحصان ؛ لأنه أقرب إلى الوقوع ؛ نظرا لحال الغلام. (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) أي : منكرا ، قيل : أنكر من الأول ، إذ لا يمكن تداركه ، كما يمكن تدارك الأول ؛ بالسد ونحوه. وقيل : «الإمر» أعظم ؛ لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة.
(قالَ) له الخضر عليهالسلام : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، زاد (لَكَ) ؛ لزيادة تأكيد المكافحة ؛ بالعتاب على رفض الوصية وقلة التثبت والصبر ، لما تكرر منه الإنكار ، ولم يرعو بالتذكير ، حتى زاد فى النكير فى المرة الثانية بذكر المنكر. (قالَ) موسى عليهالسلام : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها) ؛ بعد هذه المرة (فَلا تُصاحِبْنِي) إن سألت صحبتك ، وقرأ يعقوب : «فلا تصحبنى» ؛ رباعيا ، أي : لا تجعلنى صاحبا لك ، (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) أي : قد أعذرت ووجدت من قبلى عذرا فى مفارقتى ، حيث خالفتك ثلاث مرات. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «يرحم الله أخى موسى ، استحيا ، فقال ذلك ، لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب» (٢). وفى البخاري : «وددنا لو صبر موسى ، حتى يقص الله علينا من أمرهما» (٣).
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) ، هى أنطاكية ، وقيل : أيلة ، وقيل الأبلة ، وهى أبعد أرض الله من السماء ، وقيل : برقة ، وقال أبو هريرة وغيره : هى بالأندلس. ويذكر أنها الجزيرة الخضراء. قلت : وهى التي تسمى اليوم طريفة ، وأصلها بالظاء المشالة. وذلك على قول أن مجمع البحرين عند طنجة وسبتة. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم : «كانوا أهل قرية لئاما». وقال قتادة : شر القرى التي لا يضاف فيها الضيف ، ولا يعرف لابن السبيل حقه.
ثم وصف القرية بقوله : (اسْتَطْعَما أَهْلَها) أي : طلبا منهم طعاما ، ولم يقل : استطعماهم ، على أن يكون صفة لأهل ؛ لزيادة تشنيعهم على سوء صنيعهم ، فإن الإباء من الضيافة ، مع كونهم أهلها قاطنين بها ، أشنع وأقبح.
روى أنهما طافا بالقرية يطلبان الطعام ، فلم يطعموهما. واستضافاهم (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) بالتشديد ، وقرئ بالتخفيف. يقال : ضافه : إذا كان له ضيفا ، أضافه وضيّفه : أنزله ضيفا. وأصل الإضافة : الميل ، من : ضاف السهم
__________________
(١) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر : «زاكية» ؛ بألف بعد الزاى ، وتخفيف الياء ، اسم فاعل من «زكا» ، وقرأ الباقون : «زكية» ؛ بتشديد الياء من غير ألف ... انظر الإتحاف ٢ / ٢٢١.
(٢) أخرجه ، بنحوه ، أبو داود فى (الحروف والقراءات ح ٢٩٨٤) ، وأصل الحديث فى صحيح مسلم فى (الفضائل ، باب من فضائل الخضر) .. فى سياق طويل.
(٣) أخرجه البخاري فى (التفسير ، سورة الكهف).