وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : «كيف يعرف بالمعارف من به عرفت المعارف؟! أم كيف يعرف بشىء من سبق وجوده كلّ شىء؟ أي : وظهر بكل شىء». وفى ذلك يقول الشاعر:
عجبت لمن يبغى عليك شهادة |
|
وأنت الّذى أشهدته كلّ شاهد |
وقال آخر :
لقد ظهرت فما تخفى على أحد |
|
إلّا على أكمه لا يبصر القمرا |
لكن بطنت بما أظهرت محتجبا |
|
وكيف يبصر من بالعزّة استترا |
وأهل طمأنينة الإيمان على قسمين ؛ باعتبار القرب والبعد : فمنهم من يطمئن بوجود الحق على نعت القرب والأنس ، وهم أهل المراقبة من الزهاد والصالحين ، والعلماء العابدين المجتهدين ، وهم متفاوتون فى القرب على قدر تفرغهم من الشواغل والعلائق ، وعلى قدر التخلية والتحلية. ومنهم من يطمئن إليه على نعت البعد من قلبه ، وهم أهل الشواغل والشواغب ، والعلائق والعوائق. وعلامة القرب : وجود حلاوة المعاملة ، كلذيذ المناجاة ، والأنس به فى الخلوات ، ووجود حلاوة القرآن والتدبر فى معانيه ، حتى لا يشبع منه فى كل أوان. وعلامة البعد : فقد الحلاوة المذكورة ، وعدم الأنس به فى الخلوة ، وفقد حلاوة القرآن ، ولو كان من أعظم علماء اللسان.
وأهل طمأنينة الشهود على قسمين أيضا : فمنهم من تشرق عليه الأنوار ، وتحيط به الأسرار ، فيغرق فى الأنوار وتطمس عنه الآثار ، فيسكر ويغيب عن الأثر فى شهود المؤثر ، ويسمى عندهم هذا المقام : مقام الفناء. ومنهم من يصحو من سكرته ، ويفيق من صعقته ، فيشهد المؤثر ، لا يحجبه جمعه عن فرقه ، ولا فرقه عن جمعه ، ولا يضره فناؤه عن بقائه ، ولا بقاؤه عن فنائه ، يعطى كل ذى حق حقه ، ويوفى كل ذى قسط قسطه ، وهو مقام البقاء ، ولا يصح وجوده إلّا بعد وجود ما قبله ، فلا بقاء إلا بعد الفناء ، ولا صحو إلا بعد السكر. ومن ترامى على هذا المقام ـ أعنى مقام البقاء ـ من غير تحقيق مقام السكر والفناء فهو لم يبرح عن مقام أهل الحجاب.
واعلم أن طمأنينة الإيمان تزيد وتنقص ، وطمأنينة العيان ، إن حصلت ، تزيد ولا تنقص. فمواد أسباب زيادة طمأنينة الإيمان أشياء متعددة ، فمنهم من تزيد طمأنينته بالتفكر والاعتبار ، إمّا فى عجائب المصنوعات وضروب المخلوقات ، فيطمئن إلى صانع عظيم القدرة باهر الحكمة. وإما بالنظر فى معجزات الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وباهر علمه ، وعجائب حكمه وأسراره ، وإخباره بالأمور الغيبية السابقة والآتية ، مع كونه نبيا أميا. فإذا تحقق بمعرفة الرسول فقد