والمشهور : أن الرقيم هو اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم ، وكان جعل ذلك الكتاب فى خزانة الملك ، وهو لوح من رصاص أو حجر ، أمر بكتب أسمائهم فيه لما شكا قومهم فقدهم. وقيل : اسم كلبهم.
أي : أظننت أنهم (كانُوا) فى قصتهم (مِنْ) بين (آياتِنا عَجَباً) أي : كانوا عجبا دون باقى آياتنا ، ليس الأمر كذلك. والمعنى : أن قصتهم ، وإن كانت خارقة للعادة ، ليست بعجيبة ، بالنسبة إلى سائر الآيات التي من تعاجيبها ما ذكر من خلق الله تعالى على الأرض ، من الأجناس والأنواع الفائتة الحصر من مادة واحدة ، بل هى عندها كالنزر الحقير. وقال القشيري : أزال موضع الأعجوبة من أوصافهم ، بما أضاف إلى نفسه بقوله : (مِنْ آياتِنا) ، وقلب العادة من قبل الله غير مستنكر ولا مبتدع. ه.
ثم ذكر أول قصتهم ، فقال : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ) : جمع فتى ، وهو الشاب الكامل ، أي : اذكر حين التجأ الفتية إلى الكهف ، هاربين بدينهم ، خائفين على إيمانهم من كفار قومهم ، ورأسهم «دقيانوس» ، على ما يأتى فى قصتهم. (فَقالُوا) ؛ حين دخلوا الغار : (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ) ؛ من مستبطن أمورك وخزائن رحمتك الخاصة المكنونة عن أعين العادات ، (رَحْمَةً) خاصة تستوجب الرفق والأمن من الأعداء ، (وَهَيِّئْ) : أصلح (لَنا مِنْ أَمْرِنا) الذي نحن عليه من مفارقة الكفار ومهاجرتهم ، (رَشَداً) : هداية نصير بها راشدين مهتدين ، أو : اجعل أمرنا كله رشدا وصوابا ، كقولك : لقيت منك أسدا ، فتكون من باب التجريد ، أو : إصابة للطريق الموصل إلى المطلوب ، وأصل التهيئة : إحداث هيئة الشيء.
(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) أي : أنمناهم ، شبّه الإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها ، وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها فى الحجب عن الشعور عند النوم ؛ لأنها تحتاج إلى الحجب أكثر ، إذ هى الطريقة للتيقظ غالبا. والفاء فى (فَضَرَبْنا) : مثلها فى قوله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) (١) ، بعد قوله : (إِذْ نادى) ، فإنّ الضرب المذكور ، وما ترتب عليه من التقليب ذات اليمين وذات الشمال ، والبعث ، وغير ذلك ، إيتاء رحمة لدنّيّة خفية عن أبصار المستمسكين بالأسباب العادية ؛ استجابة لدعوتهم ، أي : فاستجبنا لهم وأنمناهم ، (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) أي : ذوات عدد ، أو تعدّ عددا ، أو معدودة ، ووصف السنين بذلك : إمّا للتكثير ، وهو الأنسب بكمال القدرة ، أو التقليل ، وهو الأليق بمقام إنكار كون القصة عجبا من سائر الآيات العجيبة ؛ فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده تعالى.
__________________
(١) من الآية ٩٠ من سورة الأنبياء.