ثم شرع فى قصة أهل الكهف المقصودة بالذات ، فقال
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢))
قلت : (أَمْ) : منقطعة مقدرة ببل ، التي هى للانتقال من حديث إلى حديث ، لا للإبطال ، والهمزة : للاستفهام عند الجمهور ، وبمعنى «بل» ، فقط ، عند غيرهم ، و (عَجَباً) : خبر كان ، و (مِنْ آياتِنا) : حال منه ، و (إِذْ أَوَى) : ظرف لعجبا ، لا لحسبت ، أو مفعول اذكر ، أي : اذكر هذا الوقت العجيب ، وهو حين التجأ الفتية إلى الكهف ، و (لَنا) و (مِنْ أَمْرِنا) : يتعلق ب (هَيِّئْ) ، و (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) : معلق لنعلم عن المفعولين ؛ لما فيه من معنى الاستفهام ، وهو مبتدأ ، و (أَحْصى) : خبره ، وهو فعل ماض ، و (أَمَداً) : مفعوله.
و (لِما لَبِثُوا) : حال منه ، أو مفعول (أَحْصى) ، واللام زائدة ، و (لِما) : موصولة ، و (أَمَداً) : تمييز ، وقيل : (أَحْصى) : اسم تفضيل ، من الإحصاء بحذف الزوائد ، و (أَمَداً) : منصوب بفعل دل عليه أحصى ، أي : يحصى كقوله :
وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا (١)
لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به ، إجماعا ، ويجوز أن يكون تمييزا بعد اسم التفضيل.
يقول الحق جل جلاله : (أَمْ حَسِبْتَ) أي : ظننت يا محمد ، والمراد : حسبان أمته (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) ، وهو الغار الواسع فى الجبل. واختلف فى موضعه ؛ فقيل : بقرب فلسطين ، وقيل : بالأندلس بمقربة من لوشة فى جهة غرناطة. وذكر ابن عطية أنه دخل كهفهم ، وفيه موتى ، ومعهم كلبهم ، وعليهم مسجد ، وقريب منه بناء يقال له الرّقيم ، قد بقي موضع جدرانه ، وفى تلك الجهة آثار يقال لها : مدينة «دقيوس» ، والله أعلم. وقال ابن جزى : ومما يبعد ذلك ما روى أن معاوية مرّ عليهم ، وأراد الدخول إليهم ولم يدخل ، هيبة ، ومعاوية لم يدخل الأندلس قط ، وأيضا : فإن الموتى فى لوشة يراهم الناس ، ولا يدرك أحد الرعب الذي ذكر الله فى أهل الكهف. ه.
__________________
(١) هذا عجز : صدره : أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وهو للعباس بن مرداس ... وقوله : القوانسا : جمع قونس ، وهو أعلى بيضة الرأس. انظر : اللسان (قنس ٥ / ٣٧٥١) ، والمغني لابن هشام (٢ / ٧٠٩).