الإشارة : قد كرّم الله هذا الآدمي ، وشرفه على خلقه ؛ بخصائص جعلها فيه ، منها : أنه جعله نسخة من الوجود ، فيه ما فى الوجود ، وزيادة ، قد انطوت فيه العوالم بأسرها ، من عرشها إلى فرشها ، وإلى هذا المعنى أشار ابن البنا ، فى مباحثه ، حيث قال :
يا سابقا فى موكب الإبداع |
|
ولا حقا فى جيش الاختراع |
اعقل فأنت نسخة الوجود |
|
لله ما أعلاك من موجود |
أليس فيك العرش والكرسىّ |
|
والعالم العلوىّ والسّفلىّ |
ما الكون إلا رجل كبير |
|
وأنت كون مثله صغير |
وقال آخر :
إذا كنت كرسيّا ، وعرشا ، وجنّة ، |
|
ونارا ، وأفلاكا تدور ، وأملاكا |
وكنت من السّرّ المصون حقيقة |
|
وأدركت هذا بالحقيقة إدراكا |
ففيم التّأنّى فى الحضيض ؛ تثبّطا |
|
مقيما مع الأسرى ، أما آن إسراكا؟! |
ومنها : أنه جعله خليفة فى ملكه ، وجعل الوجود بأسره خادما له ، ومنتفعا به ، الأرض تقله ، والسماء تظله ، والجهات تكتنفه ، والحيوانات تخدمه ، والملائكة تستغفر له ، إلى غير ذلك مما لا يعلمه الخلق. قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (١).
ومنها : أن جعل ذاته مشتملة على الضدين : النور والظلمة ، الكثافة واللطافة ، الروحانية والبشرية ، الحس والمعنى ، القدرة والحكمة ، العبودية وأسرار الربوبية ، إلى غير ذلك. ولذلك خصه بحمل الأمانة.
ومنها : أنه جعله قلب الوجود ، هو المنظور إليه من هذا العالم ، وهو المقصود الأعظم من إيجاد هذا الكون ، فهو المنعّم دون غيره ، إن أطاع الله ، ألا ترى قوله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) (٢) ، فنعيم الجنان خاص بهذا الإنسان ، أو : من التحق به من مؤمنى الجان. وقال الورتجبي : كرامة الله تعالى لبنى آدم سابقة
__________________
(١) من الآية ١٣ من سورة الجاثية.
(٢) من الآية ٧٥ من سورة الزمر.